فكرة مجنونة عند البعض وعبقرية عند البعض الآخر، والفرق بين العبقرية والجنون شعرة.. الفكرة عبارة عن شق قناة تربط نهر الكونغو بأقرب روافد نهر النيل فى دولة جنوب السودان.. قبل أن نتحدث عن أسباب هذه الفكرة دعونا نعرض لمحة موجزة عن نهر الكونغو. نهر الكونغو هو ثانى أطول نهر فى إفريقيا بعد نهر النيل، وهو ثانى أكثر الأنهار تدفقا وغزارة فى العالم بعد نهر الأمازون، حيث يلقى نهر الكونغو ما يزيد عن ألف مليار متر مكعب من المياه عند مصبه فى المحيط الأطلنطي، هل تخيلتم الرقم؟ نعم ما يزيد عن الألف مليار متر مكعب من المياه العذبة تضيع هدرًا فى المحيط، وتبلغ شدة اندفاع المياه العذبة الحد الذى يجعلها تمتد لمسافة 30 كيلومترا داخل المحيط، وتبلغ غزارة تدفق المياه الحد الذى يجعلها تدفع ما يزيد عن 40 ألف طن من المياه فى الثانية الواحدة داخل المحيط.. هل تستوعب عقولنا هذه الأرقام؟.. ألف مليار متر مكعب من المياه العذبة، تمتد بقوة الاندفاع لمسافة 30 كيلومترا داخل المحيط الأطلسي، وبمعدل 40 ألف طن فى الثانية الواحدة. هذا النهر الجبار بغزارة مياهه التى تزيد بخمس عشرة مرة عن نهر النيل، وبقوة اندفاع مياهه وتدفقها كفيل بتلبية احتياجات القارة الإفريقية كلها من الكهرباء، كما أن توفير جزء من المياه المهدرة فى المحيط قد يكون الحل السحرى لمشكلة الأمن المائى فى دول الجوار. شق القناة التى تربط بين الكونغو والنيل سيجعل من نهر الكونغو رافدًا جديدًا لنهر النيل وسيضخ له كميات مهولة من المياه التى ستندفع فى شرايين نهر النيل حتى تصل إلى بحيرة ناصر ثم تنحرف تجاه توشكى وتسرى فى نهر جديد موازٍ لنيل مصر، هذا النهر الجديد سيخترق قلب الصحراء الغربية حتى يصل إلى منخفض القطارة، حيث يتم تخزين المياه العذبة داخل المنخفض الذى سيتحول إلى أكبر بحيرة مياه عذبة فى العالم. هذا المشروع سيوفر لمصر أكثر من 110 مليار متر مكعب إضافية (أى أكثر من ضعف حصتها من نهر النيل التى تبلغ 55 مليار متر مكعب فقط)، هذه الكمية من المياه الإضافية ستسمح لمصر باستزراع نصف مساحة الصحراء الغربية، أى أن مصر لن تحقق الأمن الغذائى لها فقط، بل ستكون سلة الغذاء للمنطقة بأكملها. بالاستفادة من المساقط المائية والشلالات المنتشرة على مجرى النهر، وعن طريق شبكة للربط الكهربائي، سيوفر هذا المشروع لمصر والسودان (شماله وجنوبه) والكونغو الديمقراطية ما يزيد عن 18 ألف ميجاوات من الطاقة الكهربائية، أى أكثر من عشرة أضعاف ما يولده السد العالى حاليًا، هذه الكمية من الطاقة الكهرومائية تكفى احتياجات ثلثى قارة إفريقيا. مشروع ربط النهرين ليس مشروعًا قوميًا يخص مصر وحدها، ولا مشروعًا إقليميًا يخص مصر والسودان وجنوب السودان والكونغو، بل مشروعًا قاريًا سيخدم القارة بأكملها وسيوفر لها كافة احتياجاتها من الطاقة الكهربائية بأسعار رخيصة عن طريق شبكة ربط كهربائى شاسعة تربط دول إفريقيا كلها، كما أن هذا المشروع سيتبعه سلسلة أخرى من المشاريع العملاقة التى سيلزمها تطوير منظومة النقل النهري، توفير شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية التى تخترق أحشاء القارة وتساعد على ربط المدن الرئيسية والتبادل التجارى بين الدول الإفريقية.