إنفض مأتم الديمقراطية وتمخض جبل التغيير فولد تمديداً ولا عزاء للمعارضيين . وكما سبق وكتبت فإن مصر فى مفصل تاريخى مشابه للمفصل التى مرت به عقب إندحار الحملة الفرنسية حيث عاشت بعده مشروع محمد على للنهضة، ومشابه أيضاً للمفصل التى مرت به عقب سقوط النظام الملكى حيث عاشت بعده مشروع ثورة يوليو للنهضة، وكان من المفروض أن تكون الآن على أبواب نهضة جديدة عنوانها (الحرية والعدل) لكن من (وجهة نظرى) تبخر الأمل وأصبحنا على أبواب فترة جديدة من الفساد والإستبداد . وحتى لا نعلق نكستنا (نحن المعارضون) على مشجب العوامل الخارجية (رغم وجود دعم واضح للرئيس مبارك من المحافظين الجدد فى واشنطن ) أقول إن العامل الخارجى ظل متردداً فى دعمه للنظام إلى أن تأكد من مقدرة النظام على إفشال المشروع الإصلاحى للمعارضة بسلة من الجزر وحزمة من العصى ، وأزمة النظام فى مصر كانت واضحة تماماً وموصفه توصيفاً جامعاً وكذلك علاج الأزمة لم يكن أقل وضوحاً. وقد فتح الله على أستاذنا / طارق البشرى فى وصف العلة "شخصنة الدولة" ووصف العلاج "العصيان المدنى" ونشر ذلك منذ ما يقرب من عام فى فراسة من يرى بنور الله، فقد بين الخلل المطلوب علاجه داخل المؤسسات المعارضة فقال:"إن ما ينقص مؤسساتنا السياسية القائمة هو الفعل المصاحب للمطلب، وما ينقصها هو الحركة المواكبة لما تطرح من أهداف. إن الفعل دائماً مكلف للفاعل ويحتاج إلى نفقات.. والحركة دائماً لها جانب مخاطرة، تصيب وتخطئ وتنجح وتفشل وتتقدم وتنتكس، ولا توجد إمكانيات فعل وحركة بغير إحتمالات خطأ وفشل وإنتكاس، ولا يوجد فعل بغير تكلفة تؤدى عنه، ولا حركة بغير نفقة تنفق، وإن النكوص عن ذلك فيه إستدامة أوضاع من الشخصنة، أحسب أن من شأن بقائها انهيار قوائم النظام الحضارى الذى تقوم عليه إدارة الدولة وإدارة المجتمع. ذلك أن الشخصنة هى آفة نظم الحكم والإدارة الحديثة، ويستحيل الإبقاء على حسن إنتظام جماعة سياسية ترعى حقوقها وتحرس أمنها وتنمى نفسها علماً وثقافة ومعيشة، يستحيل ذلك مع كل نظام حكم متشخصن، أو هكذا صار مستحيلاً فى عصرنا الراهن، كما يستحيل حفظ أمن جماعة بمثل هذا النظام. ولذلك فإن الفعل حتمى للخروج من الطريق المسدود ومن حالة الإختناق الحاصلة أيا كانت تكلفته ونفقاته، وأيا كانت إحتمالاته، ويظل أن الإنتكاس هو إحتمال فى حال الحركة، ولكنه مع التدهور والإنحطاط هو حتمى فى حالة عدم الحركة.. والشعوب تفرض عليها المغارم أحياناً، تفرضها حركة المجتمع أحياناً وتفرضها مراحل التاريخ أحياناً أخرى، وهى مغارم تفرض رغم أنها كره لأصحابها وذويها. وذلك مثل جسم الإنسان، يفرض عليه العلاج بالجراحة أحياناً إذا لم يكن ثمة بديل عنها ليبرأ مما يعانى، وإذا ظهر أنه لم يعد للمعالجات الباطنة جدوى." وكأنه توقع أن يراجع المعارضون حساباتهم خوفاً من سلطان القمع فقال لهم:"إن القمع الذى يواجه به فعل التجمع الشعبى فى مجالاته المتعددة والمتنوعة، وما دام بقى الفعل الشعبى ممارساً بتتابع وإستمرار، ومع تحمل التكاليف المترتبة على ذلك، ومع التصميم على الإلتزام بالممارسات السلمية الخالصة، فإن القمع هنا ما يلبث أن يؤدى إلى عكس النتائج المتوقعة منه،لأنه خليق به أن يعزل عامة الشعب عن أفعال القمع، وأن يفكك من تماسك أجهزة القمع ذاتها فيزداد التماسك الشعبى والتجمع الشعبى من جهة، ويزداد التفكك ويضعف الترابط بين إرادة الحكم وبين أجهزة التنفيذ، وبه يزيد المعارضة ويزداد عدم التعاون فى العلاقة بين الحكم وبين الآخرين." إذاً أقول للمعارضين الذين يبررون تقاعسهم عن إغتنام الفرصة بالنزول إلى الشارع بكل ما لديهم من قوة بحجة أن المعركة الحقيقية هى الإنتخابات البرلمانية وأن المواجهة فى الإنتخابات الرئاسية غير مجدية... أقول لهم لا تخدعوا أنفسكم، وما زالت الفرصة متاحه."وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" صدق الله العظيم [email protected]