كان من أكبر الأخطاء الاستراتيجية، أن ترك الإسلاميون ميدان التحرير.. فاحتله الفلول مع قوى صغيرة محسوبة على الثورة. ميدان التحرير، له رمزية كبيرة، وأي حشد به، حتى لو كان قليلًا، قد يفوق في تأثيره أي حشد مليوني آخر في مكان غيره.. ولذا فإن مليونية الإسلاميين أمام جامعة القاهرة، رغم أنها غير مسبوقة في تاريخ مصر السياسي، إلا أنها لو كانت في التحرير، لأثمرت أوضاعًا أعظم على الأرض، وفي حسابات القوى المناوئة للثورة. الخطأ الآخر، هو ترك المنطقة المحيطة بقصر الاتحادية، لتحتلها مليشيات مبارك وشفيق وعمر سليمان وأقباط شبرا.. وكان حشد "الثلاثاء" و"الجمعة" بالتحرير، ذا دلالة مهمة، تشير إلى قدرة النظام القديم على الحشد، وكان من المفترض، أن يتذكر الإسلاميون وقوى الثورة، أن "الدولة القبيحة" استطاعت أن تجمع للجنرال الهارب أحمد شفيق، أكثر من 11 مليون صوت، فيما نجح الأخير أيضًا، في حشد ما يقرب من مليون "مرتزق" أمام المنصة، عشية إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أثارت الفزع في نفوس الرأي العام، واُعتبر هذا الحشد المليوني أمام المنصة، مع تغطيات إعلام الفول العام والخاص رسالة تمهيدية لإعلان فوز شفيق بمنصب الرئاسة. أقول هذا الكلام، حتى لا يقلل أحد من قدرة النظام القديم، على الإيذاء وعلى إشاعة الاضطرابات السياسية والحشد وإرباك الرئيس المنتخب، وربما الإطاحة به إذا نضجت الفوضى على النحو الذي يحقق لها هذه الغاية. ما حدث يوم أمس الأول، أمام قصر الرئاسة كان خطيرًا للغاية، ولو اقتحم المتظاهرون "الاتحادية"، كانت النتيجة النهائية محسومة بعودة الفلول إلى الحكم مجددًا. الشرطة والجيش لن يتدخلا حال اقتحم المتظاهرون المقر الرئاسي، واعتقلوا الرئيس المنتخب.. وهو فراغ أمني محتمل بشكل كبير، واتضحت بعض تفاصيله ليل أمس الأول، عندما انسحبت الشرطة من أماكن خدماتها لتأمين الرئيس.. ولعل ذلك ما حمل ما تسمى ب"جبهة الإنقاذ" على الإعلان عن تشكيل حكومة ونظام سياسي جديد وبديل، وسط وعود أمريكية بالمساندة وتوفير الدعم "اللوجستي" للجبهة وتأسيس شرعية جديدة مستنسخة "زورًا" من تجربة 25 يناير. الفراغ الأمني حول مقر الرئاسة، هو الاحتمال الأرجح، وفق حسابات صانع القرارات الأمنية.. ولعل التصريحات التي صدرت من الجيش، والتي تتحدث عن الحيدة، وعن أنها لن تكون طرفًا في هذا الصراع، ينقل صورة ضمنية للموقف الرسمي للمؤسسة الأمنية والعسكرية، حال انتصر طرف على الآخر، في الأزمة الأخيرة.. فالشرعية والحال كذلك قياسًا إلى هذه التصريحات لن تصنعها صناديق الاقتراع.. وإنما القادر على الوصول إلى المقعد الرئاسي، مدعومًا من الشارع.. ولا ننسى أن مبارك أزيح عن السلطة ب"قوة الشارع" وليس ب"السلاح الميري". الفراغ الأمني في هذه الأزمة على وجه التحديد يعطي شرعية ل"قوى أخرى" شعبية في أن تتمدد فيه وتشغله، فإذا لم يشغله الإخوان والسلفيون وقوى الثورة المنحازة إلى الشرعية، فإنه قد يكتظ بالكامل، بالفلول والمرتزقة ورجال مبارك في الإعلام والأجهزة الأمنية والقضاء، وفي الجهاز الإداري بالدولة.. وعندها سينقسم البلد كله بين "شرعيتين".. ويكون الرئيس الطيب والخلوق والورع والنظيف.. إلى السجن أقرب. [email protected]