جمال عبد الناصر لم يستطع أن يذبح القضاء فاكتفى بذبح عشرات من القضاة.... لعل الأمر يستقيم وتنتعش الديكتاتورية.. ولكن التاريخ لم يرحمه.. فكلما تم كتابة سطرين في أي كتاب ظهرت قصة مذبحة القضاة في السطر الثالث.. ثم مرت الأيام وعاد القضاة إلى الحياة وإلى القضاء واستوى عود المستشار "يحيى الرفاعي" وأصبح رئيسًا لنادي القضاة ودخل "ممتاز نصار" مجلس الشعب ليظهر أروع معارضة تاريخية قانونية للرئيس "السادات" ويرافقه "أحمد ناصر" ويكتب "عادل عيد" مذكراته تحت القبة بل تنحنى القبة لهؤلاء الذين ظهروا تحتها في ذلك الوقت وبالذات من القضاة ويدخل الفقيه "محمد كمال عبد العزيز" التاريخ بأنه الفقيه الذي أجمع الناس على احترام آرائه وأصبح فى موقع الاجتهاد في الفقه المدني.. هؤلاء هم بعض القضاة الذين أراد "عبد الناصر" ذبحهم.. ثم مرت الأيام وحاول الرئيس "السادات" مرة أخرى ذبح القضاة ولكنه لم يتمكن من القضاء فقام بالسماح لضباط الشرطة في الدخول إلى منصة القضاء واستحدث نظامًا خاصًا أطلق عليه اسم "قضاء القيم" ولكن القضاة نبذوا الجسم الغريب وحافظوا على استقلالهم ثم أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا تاريخيًا بإلغاء قرار "السادات" بحل نقابة المحامين.. ثم أصدر المستشار "حكيم منير صليب" حكمه التاريخي ببراءة المتهمين في قضية 18 و19 يناير الشهيرة.. وتوالت الأحكام التاريخية في مواجهة حكم السادات حتى أتى عصر "مبارك" فبدأ في تخريب القضاء من جديد وحاول أن يستخدمه لصالحه فأبى عليه القضاة ذلك حتى بعد محاولاته الفاشلة فى إقحام مزيد من ضباط أمن الدولة على منصة القضاء فكان الإفراج يتم عن الإخوان المسلمين والمسجونين السياسيين رغم أنف النظام الحاكم حتى اضطر النظام إلى إحالة قضية "سلسبيل" وما تلاها من قضايا إلى القضاء العسكري إلا أن الأيام قد دارت وأصبح القضاء العسكري مقدسًا عند حكام هذه الأيام بعد أن كانت قضيتهم الوحيدة هي حبس المصريين اللذين يتمتعون بالبراءة من كل عيب كما أصبح القضاء العسكري محصنًا ويحاكم المدنيين أيضًا وبنص من الوثيقة الدستورية التي يريدون منا أن ننحنى لها. ولا أعلم من هذا الذي نصح الدكتور "مرسى" بأن يتحدى القضاة كلهم دفعة واحدة وبأن يضع أوزار الحرب في مواجهة القضاء كله ففي الوقت الذى يعزل فيه النائب العام يأتي بنائب عام من أهل القربى ويعينه وكأننا كنا نرفض تعيين النائب العام بواسطة "مبارك" اعتراضًا على شخص "مبارك" وليس اعتراضًا على مبدأ التعيين وليصبح النائب العام موظفًا عند الدكتور "مرسى" ثم يتدخل الرئيس "مرسي" لهدف لا يصل إلى قبوله العقل البشري فيحجب حق المواطنين فى الطعن على قراراته بل ويفصل في الدعاوى المنظورة بنفسه ويحكم فيها بالانقضاء. ومن هنا نقول مرارًا وتكرارًا لهؤلاء الذين يريدون أن يقتلوا سمعة الرجل ويظهروه بمظهر الديكتاتور نقول لهم ابتعدوا عنه قليلًا فقد جعلتموه يتحدى شعبًا بأكمله وصرفتموه عن قضاياه الأساسية واستعنتم في ذلك بفقهاء السلطان الذين يظهرون في كل وقت وأوان... وإذا كان "عبد الناصر والسادات ومبارك" قد أرادوا أن يذبحوا بعض القضاة فإن قرارات الدكتور "مرسى" تذبح القضاء بأكمله وتحرم شعبًا من حق الطعن على قرارات الرئيس... والخوف كل الخوف أن تفر جميع الفئران من المركب إذا ما غرقت أما أنا فأنادي من مقالي الصغير السيد رئيس الجمهورية وأقول له هناك ألف خلاص من هذا المأزق ولا تصدق كثيرًا ممن حولك فقد كانوا يدافعون عن القرارات قبل أن تحصرها في القرارات السيادية ثم إذا حصرتها في القرارات السيادية دافعوا عنها أيضًا مدعين أنها لو كانت في غير السيادية لكانت خطأ مع أنهم بالأمس فقط كانوا يدافعون عنها بحالها وغدًا بعد إلغائها سيدافعون أيضًا عن إلغاء قرارك بعد إلغائه، يا سيدي إنهم فقهاء السلطان حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلى فكرك. والآن استمع معى إلى هذا الجزء من كتاب الموسوعة الدستورية الذى كُتب قبل أن تأتي سيادتكم إلى الرئاسة... وذلك في الحكم الصادر في الدعوى رقم 48 لسنة 3 ق جلسة 11/6/1983 ونصه.. (كما أن مؤدى عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم لا يقتصر على المستقبل فحسب وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم)... وفي حكم آخر يأتي ما نصه.. (واستقر الفقه والقضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب وإنما بالنسبة للوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم لعدم دستورية النص)... وطبعًا يسري هذا يا سيدي على قيام مجلس الشعب المحكوم بعدم دستوريته بإقرار قانون اللجنة التأسيسية بعد الحكم ودفعوا سيادتكم إلى التصديق عليه وطبعًا هذا أمر غير قانوني وأنا أرجو من سيادتكم صدور قراركم بإلغاء هذه النصوص جميعًا وتصحيح الأوضاع وإلزام أعضاء مجلس الشعب الذين اجتمعوا بعد الحكم بحله بعدم تكرار هذه الكارثة وإلزامهم أيضًا بدفع مقابل الكهرباء التي استهلكوها واستخدام التكييف وبنزين السيارات التي ركبوها بلي الذراع. " وعجبي " www.mokhtarnouh.com [email protected]