كشفت مصادر سياسية ل "المصريون" عن اعتزام الحكومة رفع درجة التصعيد في مواجهة جماعة "الإخوان المسلمين" خلال المرحلة القادمة، من خلال منعها من خوض أي انتخابات سواءً أكانت برلمانية أو عمالية أو محلية، والتصدي بحزم لمحاولاتها الانتشار في مؤسسات الدولة. ودللت المصادر على هذا التوجه بالتصريحات الشديدة اللهجة التي جاءت على لسان الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، الذي وصف فيها نواب الجماعة ال 88 داخل البرلمان بأنهم تنظيم سري، وهدد فيها بعدم السماح لهم بتكوين كتلة برلمانية في المستقبل، أو لعب دور على الساحة السياسية. إلى جانب الانتقادات العنيفة التي وجهها مفيد شهاب وزير الشئون البرلمانية وحاتم الجبلي وزير الصحة وأحمد درويش وزير التنمية الإدارية، - التي رأت المصادر - أنها جاءت انسجامًا مع موقف النظام المتشدد من الجماعة. واعتبرت الحملة الشرسة على مرشحي "الإخوان" في انتخابات الغرف التجارية بالإسكندرية ومنعهم من خوض هذه الانتخابات، وتكرار نفس السيناريو في اتحاد الناشرين؛ علاوة على اعتقال العديد من كوادر الجماعة، بأنها تأتي منسجمة مع توجه حكومي لمحاصرة الجماعة ومنعها من اكتساب أي أرضيات جديدة. ولفتت المصادر إلى أن هناك انزعاجًا داخل أروقة النظام من الصعود السياسي للإخوان في الساحة السياسية وهو ما ظهر جليًا في أزمة القضاة الأخيرة، بعد أن لعبت الجماعة دورًا مهما في دعم الحركة الوطنية المساندة للقضاة؛ وهو ما كان له تأثير في إجبار النظام على تخفيف تشدده والقبول بحل وسط ينهي أزمة إحالة المستشارين محمود مكي وهشام البسطويسي إلى لجنة التأديب. ولم تستبعد المصادر أن تكون الضغوط التي يمارسها النظام ضد الجماعة والاعتقالات المتكررة في صفوفها، جاءت إثر تلقي القيادة السياسية ضوءًا أخضر من واشنطن بتصفية الوجود الإخواني في الساحة السياسية، لاسيما بعد نجاح "حماس" في الوصول للحكم في فلسطين، وهو الأمر الذي رأته الإدارة الأمريكية يضر بمصالحها في المنطقة، مما دفعها لدعم النظام الحاكم، وإطلاق يده في التعامل مع "الإخوان"، خاصة بعد فشل رهانها على الليبراليين الممثلين في الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور أيمن نور. كما أن موقف الجماعة الرافض لقضية التوريث والذي جاء على لسان المرشد العام للجماعة ونائبه الأول، كان له دور كبير في الموقف الرسمي المتشدد من الجماعة، الذي كان يأمل أن يأخذ الإخوان موقفًا مؤيدًا لقضية التوريث، وألا تعارضه بشكل صارم، ردًا على مهادنة النظام للجماعة طوال السنة الأخيرة والسماح لها بالفوز ب 88 مقعدًا، على حد قول المصادر. ورأت أن اعتقال القيادي البارز الدكتور عصام العريان ورئيس الكتلة البرلمانية للجماعة في مجلس الشعب سابقًا الدكتور محمد مرسي، يأتي في إطار الضغوط المتزايدة على الجماعة وحرمانها من الكوادر التي تتمتع بتأييد شعبي. ورجحت المصادر أن تمنع الحكومة الجماعة من خوض انتخابات مجلس الشورى وانتخابات المحليات في المرحلة القادمة، لإبعادها عن لعب أي دور على الساحة السياسية والتجهيز لإقصائها. من جانبه، أرجع الدكتور محمد السيد حبيب النائب الأول للمرشد العام ل "الإخوان" الحملة ضد الجماعة إلى النجاح الكبير الذي حققه أعضاؤها داخل البرلمان وفضحهم للفشل الحكومي في ظل مشاكل المصريين. ورأى أن الضربات الأمنية وما يفعله النظام من منع الجماعة من خوض الانتخابات، تأتي في إطار محاولته لإسكات الأصوات المعارضة، لكنه أكد أن الإجراءات القمعية لن تثني الجماعة عن نضالها من أجل تحقيق حزمة من المطالب الإصلاحية. من جهته، رجح ممدوح إسماعيل وكيل مؤسسي حزب "الشريعة" أن تكون تصريحات نظيف ضد "الإخوان" والضربات الأمنية الأخيرة ضد الجماعة ومنع مرشحيها من خوض انتخابات الغرف التجارية، جاءت ردًا على الدور الذي لعبه الإخوان في أزمة القضاة مع الحكومة، الأمر الذي أزعج النظام بشدة ودفعه لتوجيه ضرباته الأمنية عبر اعتقال كوادر الجماعة وعلى رأسهم العريان ومرسي. أما الدكتور ضياء رشوان الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، فقد ربط بين موقف "الإخوان" الرافض لعملية التوريث، والحملة العنيفة التي يشنها النظام ضد الجماعة بعد ما تأكد له أنها لن توافق على تصعيد جمال مبارك إلى سدة الحكم، وتوقع المزيد من الضربات الأمنية في المرحلة القادمة ضد الجماعة. وأشار إلى ما أسماها بأكذوبة الضغوط الأمريكية على النظام لإجراء إصلاح سياسي، مؤكدًا أن ما يهم واشنطن هو إنجاز مصالحة فلسطينية إسرائيلية على حساب المصالح الفلسطينية والعربية، متهمًا النظام المصري بلعب دور في هذه المسألة لتقديم مزيد من التنازلات في الملف الفلسطيني، وبالاستجابة للمساعي الأمريكية لفرض برنامج اقتصادي يتوافق مع رؤيتها والتي تتمثل في بيع وحدات القطاع الخاص، ورفع الدعم عن السلع الأساسية وهو ما تسير فيه المجموعة الاقتصادية لحكومة نظيف بخطى سريعة الآن. في حين أكد السفير أمين يسري المحلل السياسي، أن النظام نجح في الفترة الأخيرة في استخدام "الإخوان المسلمين" كفزاعة في وجه الإدارة الأمريكية؛ خصوصًا بعد صعود حركة "حماس" إلى الحكم في فلسطين. وقال إن النظام نجح أيضًا في الفترة الماضية في تفريغ الساحة السياسية من الأحزاب المدنية كبديل للنظام لتظل الساحة السياسية مقتصرة عليه إلى جانب "الإخوان" كبديل؛ وذلك لتخويف الإدارة الأمريكية من البديل الإسلامي، مشيرًا إلى أن هناك توافقًا مع الإدارة الأمريكية على نقل السلطة لنجل الرئيس، وهو المسعى الذي سيقاتل بكل الوسائل خلال الفترة القادمة من أجل تحقيقه.