المثل الشعبي الشهير والرائج في مصر الذي يصف أناسا بأنهم (رقصوا على السلم) .. كناية على فشلهم في اتخاذ الموقف الصائب والقرار السليم ، يعبر بصدق عن حال الإخوان المسلمين هذه الأيام . فالمؤكد أن الإخوان قد خانهم التوفيق في التعاطي مع الحدث السياسي الجاري ، والواضح أنهم لم يستثمروا أجواء التغيير الحاصلة لتطوير أدائهم السياسي وتعزيز ثقلهم على الساحة السياسية ، فأعادوا – بإصرار غريب - تكرار نفس الأخطاء الساذجة التي وقعوا فيها في الماضي ، وقاموا بذات الأفعال (أو ردود الأفعال) المرتبكة التي تنم عن قصور منهجي في التعامل مع المستجدات ، وتشي بضحالة سياسية لافتة ، جعلتهم دوما أكبر الخاسرين وأكثر المتضررين . إذا سألت الإخوان عن استحقاقات الإصلاح والتغيير وانتخابات الرئاسة تحديدا ، ستحصل منهم على إجابات غامضة وتصريحات ملتبسة تحمل أكثر من معنى وتبطن تفسيرات وتأويلات عديدة . وهذا سببه –برأيي- ليس مكرا أو دهاء سياسيا منهم كما يفهم البعض ، وليس حتى محاولة لاتخاذ موقف براجماتي لتأمين مصالحهم وعقد صفقة مع النظام كما يردد البعض الآخر ، وإنما هو –كما أزعم- من قبيل التخبط والارتباك لأناس غير مسيّسين وجدوا أنفسهم في خضم أحداث ومواقف غير مؤهلين لها ، فعلاقة قادة الإخوان بالسياسة كعلاقة طالب المرحلة الإعدادية بعلوم الفضاء والذرة !! (يستثنى منهم د.عصام العريان الذي اعتقله النظام لأنه الوحيد في الإخوان الذي يفهم في السياسة) . الإخوان يدركون جيدا ان أقصى ما يمكنهم الحصول عليه من النظام في الوقت الراهن ، هو وعود شفاهية مشروطة بهدوء أمني مؤقت ، وعدم الممانعة في حصولهم على بعض المقاعد القليلة في مجلس الشعب . وهذه الوعود لا ترتقي بحال إلى مستوى الصفقة ، لأن المطلوب حكوميا من الإخوان كبير وكثير ويقاس بما كان يمكن أن يفعلوه ولم يفعلوه ، وبما كان يمكن أن يضيفوه للمشهد الوطني وتقاعسوا عنه طمعا أو خوفا . أما المقابل الحكومي فقليل وعلى كف عفريت ، فهي في الأخير مجرد وعود صادرة من قيادات أمنية قد تترك مناصبها في أي وقت ، أو قد تتغير الظروف فتصبح مكاسبهم القليلة في مهب الريح ، وحينئذ سيدرك الإخوان أنهم خسروا صدقيتهم وضّيعوا فرصتهم في التلاحم مع القوى الوطنية ، وهي فرصة سيندمون عليها لاحقا حين يبيعهم النظام وتخونهم السلطة . ألم يتبين للإخوان أن النظام الحاكم يطيب له انفصال أجندتهم عن باقي الفصائل الوطنية بحديثهم المعهود عن الدولة الإسلامية ومطالبتهم بالشريعة ، باعتبارها من الأحلام البعيدة والطموحات المؤجلة التي تخيف منهم الكثيرين في الداخل والخارج ؟ .. ولكن النظام يشعر بالذعر فعلا عندما تطالب النخب بالديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان ، لأنها استحقاقات آنية ومطالب وطنية واجبة التنفيذ .. ألم يتبين للإخوان خطأ موقفهم السابق في القيام بمظاهرات منفردة أرادوا منها استعراض قوتهم وإظهار جماهيريتهم ، وكانت النتيجة استفراد الأمن بهم واعتقال الآلاف منهم ؟ .. ألم يكن من الأجدى لهم الانخراط من البداية في مظاهرات حركة كفاية والاحتماء بها ضد ممارسات الأمن ، والاندماج في حركة وطنية واحدة ذات مطالب موحدة تجعلهم في قلب المشهد مما يصعب على النظام التنكيل بهم ؟ .. ألم يدركوا بعد أنهم قد تأخروا كثيرا في تأسيس حركة التحالف الوطني ، الذي جاء بعد تحرك القطار فوجب عليهم أن يكونوا في مؤخرة الصفوف وليس في المقدمة كما يطمحون ؟ .. قد بات من الواضح الآن أن المأزق الأخطر الذي يواجه الإخوان حاليا ليس في عداء النظام لهم وتضييقه عليهم ومنعهم الشرعية السياسية ، بل هو في قصور أدائهم السياسي وافتقارهم للرؤية الاستراتيجية والتكتيك المرحلي المناسب . فجميع القوى السياسية وأطياف المعارضة قد بادرت بتغيير خطابها وتفاعلت مع الأحداث المتلاحقة التي جرت في المشهد السياسي ، حتى الحزب الوطني تغير خطابة المعلن في محاولات محمومة منه لملاحقة تلك التغيرات . لكن الإخوان ظلوا القوة الوحيدة التي ما زالت تراوح مكانها بسياستها القديمة وأسلوبها العتيق . والسبب في ذلك الجمود برأيي هو احتكار ثلة مكتب الإرشاد لقرار الجماعة ، وعدم الرجوع لرموز إسلامية مستنيرة مشهورة بالاعتدال والوعي والفهم العميق للأحداث ، كالأستاذ فهمي هويدي والدكتور العوّا والمستشار البشري وغيرهم . والثابت والمؤكد لدينا على ضوء تصريحات مكتب الإرشاد المعلنة ومن واقع مواقفه المتضاربة ، أن قيادات الجماعة يفتقرون للحنكة السياسية والصلابة الوطنية ، ويجهلون فنون النضال المدني الذي تفوقت فيه حركة كفاية التي لم يتعد عمرها شهورا معدودة . وعلى شيوخ الإخوان إذا أرادوا تعلم السياسة وفنون النضال السياسي أن يستشيروا هذه الرموز ويأخذوا بنصائحهم ، أو يشدوا الرحال إلى تلميذهم القديم "أبو العلا ماضي" الذي لفظوه سابقا لأنه حاول تصويب الأداء وتصحيح المسار وقام بطرح أفكار جريئة ورؤى جديدة ، فكان جزاؤه العزل والخروج من جنة الإخوان ، فنزل الرجل إلى الشارع السياسي وسار في الاتجاه الصحيح بتأسيسه حزب الوسط ، وحرص في برنامجه على دمج مطالب الشارع والنخب الوطنية والتيارات الإسلامية المعتدلة في بوتقة واحدة ، وأجاب فيه بنجاح عن التساؤلات الصعبة بخصوص الدولة المدنية والمرجعية الإسلامية وحقوق المواطنة وغيرها من المواضيع الشائكة في الملف الإسلامي ، وهو العمل الذي كان يجب على الإخوان القيام به ، ولكن سبقهم إليه تلميذهم القديم الذي قطع خطوات إصلاحية واسعة ساهمت في إنضاج خبرته واصقال تجربته . وهذه التجربة تشبه إلى حد بعيد تجربة "اردوغان" مع حزب الرفاه التركي ، والرجل مرشح بامتياز لأن يكون "اردوغان" مصر في الفترة المقبلة .