من الأمراض المنتشرة في المجتمعات العربية عامة وفي المجتمع المصري خاصة تلون النخب الثقافية والسياسية وتغير مواقفها لأسباب شخصية في الغالب والأعم . فهذا معارض عاش دهرا يعارض السلطة وفجأة تجده ينام في أحضانها بلا مقدمات , ويتحول إلى كاتب ومتحدث للدفاع عنها بغير مبرر موضوعي لنفس الأشخاص ولنفس السياسيات التي لم تتغير والتي عارضها هو من قبل . ومثل هؤلاء لأنهم متهمون في نظر أنفسهم بسبق الانضمام إلى المعارضة للسلطة يتفننون في التطهر من هذا الذنب بالغلو بالدفاع عنها ، أقول ذلك لأني قرأت من أيام مقالا لشاب نصب نفسه في هذا المقال ناقدا لقوى المعارضة التي تعارض الرئيس مبارك و استمراره في السلطة أكثر من 30 عاما ( منها 6 سنوات نائب رئيس و24 سنة رئيس ) ويدعو هذه القوى لمراجعة أنفسها من هذا الموقف وهو الذي كان بالرغم من صغر سنه يشارك في اجتماعات هامة وكثيرة لقوى المعارضة ويبدو كأنه واحد منها والغريب أن مثل صاحبنا عاش قياديا في حزب معارض مدة طويلة ، وفجأة كما قال وجد نفسه منضما لإحدى لجان لجنة السياسات بالحزب الوطني التي يرأسها نجل الرئيس مبارك (جمال) وذكر لبعض أصدقائه أنه عرف بالقرار بعد نشره بالجرائد ، وأنه استشار بعض الكتاب والمفكرين الكبار فذكروا له ( حسب رؤيته ) أنه يستمر دون أن يشارك بشكل فعلي حتى يتجنب بطشهم ، ولقد ذكر أنه هو أيضا حضر بعض هذه الاجتماعات ورأى أشياء سيئة كثيرة شجعته على عدم مداومة الحضور ، لكنني لم أفهم هذا التحول من كراهيته ( في السر ) للحزب الوطني الذي ضمه رغما عنه ( كما قال هو ) إلى دفاعه المستميت عن الرئيس مبارك ونقده لقوى المعارضة الصادقة في إحدى الجرائد الحديثة التي تنتسب إلى إحدى المجلات القديمة. هل هذه هي أوراق اعتماده : التحول العلني والكامل نحو سلطة صار الاستبداد أحد أهم ملامحها ، وهل يمكن أن يكون هناك مستقبل لمثل هذا الشاب وهو يبدأ بهذا التقلب ، وما موقفه حينما يتغير هذا الخصم وهذا النظام ؟ كيف سيبرر موقفه لقومه وأصدقائه والرأي العام . الحقيقة أننا في العالم العربي نحتاج لنخبة صادقة متسقة مع نفسها وهذه النخبة هي أهم أدوات التغيير ، لقد نجحت الأنظمة العربية في أن تجعل قطاعات من النخب المثقفة والمسيسة تتلون بهذا الشكل الوصولي بغية تحقيق أهداف شخصية ضيقة على حساب الصالح العام ومصالح الوطن العليا . أليس هذا هو أخطر أنواع الفساد السياسي الذي أصاب مجتمعاتنا العربية ويحتاج إلى مواجهة مثله مثل التصدي لفساد السلطة وتغولها واستبدادهم . أظن ذلك .