لخطبة شيخنا الشيخ القرضاوى فى الأزهر عدة فوائد، من ضمنها أنها عرفتنا على المواطن المصرى محمد محمد البسطويسي، نقيب الأئمة والدعاة، الذى ادعى أنه سيمنع الشيخ القرضاوى من الخطبة فى الجامع الأزهر. كيف؟ لا أدري. وليعذرنى الشيخ محمد حين أصارحه أنى لم أسمع به من قبل، وقد يكون السبب لا يتعلق بشخصه الكريم - ف(كم فى الزوايا خبايا، وكم فى الخبايا خفايا) - فالعيب فى أذنى أنا، لا فيه. ولا يضرُّ الشيخ بسطويسى ألا يسمع به مثلي، ما دامت الصحف تهشُّ له وتبشُّ، وتنشر تصريحاته فى صدر صفحاتها، وتستضيفه القنوات الفضائية ليسمح ويمنع، ويصل ويقطع، ويسلب ويمنح، ويخفض ويرفع. لكن الشيخ محمد البسطويسى أتعبنى أيما تعب مذ عرفته، فبعد أن أقررت بالخطأ، قلت: رب ضارة نافعة، لأستدرك على نفسي، وأتعرف على هذا العالم الهمام، والشيخ الإمام، والبدر التمام، محدث (الجبة والكاكولا)، الذى يبدى رأيه بكل صراحة، بعد أن نصَّب نفسه نقيبًا للأئمة والدعاة، فيقول: هذا يخطب فى الأزهر، وهذا لا يخطب، ولا يخاف لومة لائم، ولا يستحي. والحياء من الإيمان. أسأل الأئمة والدعاة: تعرفون الشيخ محمد محمد البسطويسى نقيبكم؟ يقولون: تقصد هشام البسطويسي؟ أقول: لا، الشيخ محمد. فلا أجد جوابًا شافيًا، واتضح لى أن مصيبة عدم معرفتى به لم تخصنى وحدي، وهذا مما خفَّفها على نفسى - فالمصيبة إذا عمت هانت، وإذا خصَّت هالت - فكثير من الأئمة حالهم كحال العبد لله، لم يسمعوا به من قبل، ولم يتشرفوا بالتعلم على يديه، ولا بالاستجازة منه، ولا حتى بلقياه. قلت: لنذهب إلى المكتبات ودور النشر، فكم من عالم جليل، مؤلف قدير، أثرى المكتبة الإسلامية بروائع المؤلفات، وهو مع ذلك مغمور غير مشهور، لا يعرفه إلا خاصة الناس، فى زمن الانصراف عن القراءة والمطالعة. لكن للأسف، لم أجد موسوعة، ولا كتابا، ولا كتيبا من تأليف فضيلته. قلت: أذهب إلى شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، ففيها تجد ما تحتاجه، وما لا تحتاجه أيضًا، فلم أعثر للرجل على خطبة لا بليغة ولا غير بليغة، ولا درس علمى ولا وعظي، ولا مقالة دعوية ولا سياسية. قلت: لعل الرجل.. ممن شغله مكافحة الظلم، ومعارضة الظالم، فلم يتسن له أن يؤلف، أو ينشر خطبه ودروسه على الإنترنت. ولكنى أيضا لم أجد له ذكر، فالرجل ابن اليوم. إذن الرجل نبتة عمرها عامان، من البراعم التى خرجت بعض الثورة، وبعض هذه البراعم نافع، وبعضها ضار، لم يزرعه زارع، ولم يتعهده فلاح، وإنما خرج هكذا، كما يقول الناس الطيبون: "زرع شيطاني". طيب لما هو الموضوع هكذا يا شيخ محمد، ألا ترحم نفسك قليلا، قبل أن تنازل الكبار؟ وفى الحكم يقولون: "الأدب فضلوه على العلم"، وفى الأزهر يدرسون: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه". وبعدين يا أخي، لماذا لا تنصف من نفسك كما أنصف سيدنا أسيد بن حضير عندما كان كافرًا، قال له مصعب بن عمير: أو تجلس فتسمع فإن سمعتَ خيرًا قَبِلتَه، وإن خالفك شيء أعفيناك. فقال أسيد: أنصفت. فلماذا إذن تريد أن تمنع الشيخ القرضاوي؟ هو سيقول كلامًا، إن أعجبك فاقبله، وإن كرهته فاملأ الدنيا صراخًا وعويلاً، وشجبًا وتنديدًا. وأنا أبشر الشيخ محمد البسطويسى أن هذه الفوضى التى تسمح بنشر التصريحات والبيانات، التى يتطاول فيها الأصاغر على الأكابر، والتلاميذ على الأساتذة، لن تستمر طويلاً، بدأت من سنة أو أكثر، وستستمر مثلها أو أقل، ثم تعود الأمور إلى نصابها، والأفراخ إلى أعشاشها، والفئران إلى جحورها، والعاقل من آثر الباقى على الفاني. ونصيحة منى يا حاج محمد: المشايخ لا يبقى ذكرهم بالمناصب، وخصوصًا إذا كانت وهمية، ولا بتصريح ينشر هنا أو هناك، ولا ببرنامج على فضائية، وإنما يبقى بقدر ما يحملون من علم، وما ينشرون من هدى، وما يتحلون به من فضائل، فأربع على نفسك، واتق الله فيها. اختلف مع الشيخ القرضاوى كما تشاء، ولكن يبقى الشيخ القرضاوى هو الشيخ القرضاوي، فلا تعد قدرك، ولا تجاوز حدك، أو فأتنا بمثل ما أتانا به الشيخ القرضاوى من مؤلفات وأعمال، وإلا فسلام عليك، لا نبتغى ما تقول.