تبدو حملات الدعاية وبرامج اغلب مرشحي الانتخابات الرئاسية في مصر والمقرر اجراؤها في السابع من سبتمبر، غارقة في القضايا شديدة المحلية التي تحفل بها حملات الانتخابات البرلمانية اوالبلدية اكثر من كونها تجري على المنصب الاول والاهم في الدولة . كلمات ووعود عدد لا بأس به من المرشحين العشرة اقل ما توصف به أنها فكاهية، فهذا يدعو الى لباس وطني واعتمار الطربوش على الرأس، وذاك إلى امتلاك مدينة نووية وثالث الى منح رئاسة الوزراء الى الدكتور احمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، وهو مع احترامنا وتقديرنا لمكانته المرموقة عالم يعيش في الخارج وليس سياسيا على علاقة مباشرة بتفاصيل الحياة اليومية للمصريين هكذا اختلط الحابل بالنابل كما يقولون، وباتت الانتخابات التعددية غير المسبوقة ساحة للغرائب والعجائب. الاغراق في القضايا المحلية له بالطبع ما يبرره باعتبار ان الازمات الداخلية كالبطالة والفقر وتدني مستويات التعليم وغيرها من مشكلات تستحوذ على اهتمام السواد الاعظم من المصريين الذين يعانون ويعايشون الواقع بأنفسهم، غير ان غياب البعد العربي والدولى الجاد عن برامج مرشحي الاحزاب الصغيرة تحديدا ( وهم الاغلبية ) تعكس ان هؤلاء المرشحين لا يفرقون بين كونهم يتنافسون على مقعد رئاسة الدولة المصرية او خوض غمار الانتخابات في دائرة لا يتجاوز عدد ناخبيها عشرات الآلاف وليس الملايين كما هي الحالة مع الانتخابات الرئاسية . وحتى في القضايا الداخلية اتسمت برامج المرشحين باستثناء مرشحي احزاب الوطني الرئيس مبارك، والوفد نعمان جمعة، والغد أيمن نور، بالعمومية ودون تقديم تفاصيل تسمن او تغني من جوع . كما ان سلوك وحركات المرشحين ابعد ما تكون عن اناس طامحين الى قيادة بلد يتجاوز سكانه السبعين مليون نسمة، ورأينا البعض يرقص بالعصا وسط القلة من مؤيديه، وكأن الرقص بوابة العبور الى القصر الرئاسي. هذه الخفة في التعامل مع الانتخابات الرئاسية من قبل مرشحين يفترض انهم يمارسون السياسة كمحترفين، لابد وان تلقي بظلالها على الناخبين الذين قد تعتريهم الدهشة من مثل هذه التصرفات، وهو ما يجب ان يترجم عمليا في صناديق الاقتراع بالابتعاد عن كل من لا يطرح برنامجا حقيقيا وعقلانيا لمشكلات تحتاج الى اجتهادات كبرى لحلها والتغلب عليها، بعد ان تراكمت على مدى سنوات طوال . ربما يعتبر البعض ان نقص الخبرة لدى اغلب المرشحين وكون الانتخابات الرئاسية هي الاولى التي تدار على اساس تعددي، هو السبب في هزال البرامج المطروحة على الناخبين، وان تكرار التجربة كفيل بخلق ما هو افضل في المستقبل، وهذا صحيح في بعض جوانبه، غير ان الامر يبدو مثيرا للشفقة مع بعض المرشحين الذين يتولون رئاسة احزاب يفترض انها تأسست للوصول الى السلطة. على كل كان الله في عون الناخب المصري الذي فوجئ بمرشحين لم يسمع عنهم من قبل ولولا المادة 76 المثيرة للجدل التي جرى تعديلها في الدستور وكانت سببا في مقاطعة بعض الاحزاب للانتخابات، وحرمان شخصيات مستقلة ذات وزن من الترشيح، ما كان المشهد سيكون على هذا النحو، رغم ان البعض قد يرى العكس. ---- صحيفة البيان الاماراتية في 28 -8 -2005