يمثل انحياز المؤسسة الدينية ، فى ( المعركة ) الانتخابية ( الشكلية ) التى تدور فى مصر الآن لاختيار الرئيس حينى مبارك ، رئيسا ً قديما ً / جديدا ً لمصر ، لمدة ست سنوات أخرى قادمة ، واحدة من أخطر الظواهر المصاحبة لهذه العملية ، والتى تعكس إصرار النظام على حشد هيئاته وجماعات مصالحه ، لدعمه بكل الصور المتاحة ، المشروعة وغير المشروعة ، المعلنة وغير المعلنة ، الأمر الذى ٌيفرع هذه العملية من قيمتها ، ويفقدها جدواها ، ويحولها إلى تمثيلية صورية محسومة النتائج ، سلفا ً ، ويؤكد صواب الرؤية التى اتجهت لمقاطعة الانتخابات برمتها ، إنطلاقا ً من كونها مجرد إجراء صورى ، الهدف منه الالتفاف على المطالب الديمقراطية والتحركات الشعبية والضغوط الخارجية ، التى تصاعدت وتيرتها بحدة فى المرحلة الأخيرة ، والإيحاء بأن النظام " ُيصلح حاله " ، ويقوم بعملية " تقويم " ذاتى بحثا ً عن الأفضل ، ونشدانا ً للأحسن ، وهو أمر غير وارد أصلا ً ، بسبب من طبيعة النظام وانحيازاته الطبقية ، وتغلغل الفساد فى بنيته العضوية ، وتآكل قدرته على التصحيح الذاتى ، بفعل هرمه وشيخوخة قياداته ، وانفصاله عن القاعدة الشعبية ، وانعدام تواصله مع الناس وهمومها الحقيقية فى مصر " المحروسة " ! . ومع انتهاء ( المعركة ) الانتخابية ، وانقشاع وقائعها المرسومة ، ومع " عودة ريما لقواعدها القديمة " ، أى النظام إلى كرسى عرشه وسابق ممارساته ، التى عانى منها الشعب لمدة 24 عاما ً متصلة ، ستنسى الناس أشياء كثيرة ، لكنهم سيتذكرون ، حتما ً ، موقف شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف وبابا الكنيسة الأرثوذكسية ، وغيرهم من رموز المؤسسة الدينية المصرية ، [ مسلمين ومسيحيين لا فرق ، فهم فى الهم شرق ! ] ، الذين انحازوا لنظام حكم فاسد ، فشل طوال ربع قرن فى تحقيق مصالح الغالبية العظمى من المواطنين ، وأدت ممارساته إلى تدمير مستقبل سبعة ملايين شاب عاطل عن العمل ، وتسعة ملايين عانس ، ودفع أكثر من ثلثى أبناء الوطن إلى تخوم المجاعة وحد الفقر الأدنى ، وتسبب فى انهيار مستوى الطبقة الوسطى ، وتشريد أبناء مصر فى أرجاء المعمورة ، مذلون مهانون [ فى إيطاليا وحدها أكثر من مائة ألف شاب مصرى سجين بتهمة دخولها بصورة غير قانونية ، كما نشرت الجرائد مؤخرا ً ! ] ، كما تسبب فى تردى الأوضاع الصحية لملايين المصريين ، وانتشار العشوائيات ، وتراجع الدور الإقليمى والعالمى لمصر . . ألخ ألخ ، واكتشف رئيسه ، فجأة ً ، وبعد أربع دورات رئاسية فاشلة ، وفى مفتتح دورة خامسة [ يكمل بها " حرب الثلاثين عاما ً " ، على الشعب ومصالحه ! ] ، أن عليه أن يقدم وعودا ً [ لن تنفذ لأسباب موضوعية ] ، وعهودا ً لا يمكن الوفاء بها [ بعد أن تم نهب " ثروة مصر المحروسة " وتهريبها مليارات بعد مليارات ، إلى بنوك أمريكا وأوروبا ] ، فراح – فى حِمى المؤسسة الدينية الرسمية – يتملق المواطنين ، ويطلب موافقتهم على استمرار نظامه لست سنوات أخرى قادمة ، الله وحده يعرف إلى أين سيقود البلاد خلالها !! . * * * للدين جلاله واحترامه ، وهو أرقى وأعظم من أن يتم العبث به ، أو تسويقه لحساب مرشح ، وعلى حساب آخر ، والزج به فى معترك ( معركة ) انتخابية ، حتى ولو شكلية ، يشتد أوارها – يوم بعد آخر – ويستخدم المرشحون فيها كل وسائل الهجوم والدفاع ، والاشتباك والتأثير ، مما يسيئ للدين ، أى دين ، إساءة بالغة ، ويحمله ما لا طاقة له به ، ويجعله عرضة ً للقيل والقال ، وهو موقع نربأ بأدياننا السماوية المبجلة أن توضع فيه . * * * وحينما يقف كبار رجال الدين المسلمين ، منحازين إلى مبارك فقط لأنه " ولى النعم ! " ، وضد منافسيه فى الانتخابات الرئاسية الذين يملكون حولا ً ولا طولا ً ، وحينما يتم تجييش وزارة الأوقاف بمشايخها وخطباء جوامعها وإعلامها ، للدعاية لإعادة انتخاب " السيد الرئيس " ، حينما يهاجم المفتى وفضيلة شيخ الأزهر الجماهير التى خرجت تتظاهر ، معبرة ً عن حاجتها الماسّة للتغيير ، وحتى لا تموت هما ً وألما ً ، أو تنفجر كمدا ً وغضبا ً ، وحينما ينضم إليهما فى موقفهما ، ويزيد البابا فيخرج من رحمة كنيسته الأستاذ جورج اسحق ، منسق الحركة المصرية من أجل التغيير ( كفايه ) ، لأنها تعارض حكم الرئيس مبارك ( !! ) . . حينما يحدث هذا ، وأكثر من هذا ، نراه ونسمعه ، موثقا ً ومؤكدا ً ، أمام ناظرينا ، كل يوم . . يحق للجميع أن يتوقف لحظة ، وأن ينتبه بشدة ، قبل أن يجرفنا الطوفان ، وأن يقول " لا " بملء فمه !! . فليس من حق أحد ، كائنا ً من كا ن أن يزج بالدين السامى فى لعبة السياسة ، وأن يشترى مصالح محدودة وآنية وضيقة ، على حساب الباقى والخالد فى هذه العلاقة السامية بين المرء وخالقه ، وسينقشع غبار ( معركة ) الانتخابات عن منتصرين وخاسرين . . ولن تكون الأديان – بهذا – فى القائمة الأولى أبدا ً . ولندعوهم أن يستخلصوا العبرة لبرهة ، من نتائج انحياز الكنيسة – فى العصور الغابرة – إلى الطبقات الحاكمة ، والتى أدت إلى حنق الفقراء وإثارة غضبتهم ، وتفجير تمردهم ، لا على الطبقات الحاكمة وحسب ، وإنما على رموز الكنيسة أيضا ً ، وهو أمر لم يخسر منه فى النهاية سوى مؤسسة الدين ، التى انحازت للظلم حينما كان يتوجب عليها أن تنحاز للعدالة ، وساندت الاستغلال ، فيما كان يتوجب عليها الوقوف فى صف الفقراء ، وطبلت لديمومة الفساد وقت أن كان يتعين عليها أن تكون فى صف التطهير والتغيير ! . [email protected]