اسمح لى سيادة الرئيس ببعض من (فشة الخلق) هذه، وإنى والله أحبك فى الله، وأشفق على حضرتك، وأشفق على مصر، وأحس لجهلى وقصر نظرى بالرعب مما يدور، وأجد فى كل شىء حفرة، وفى كل موقف (نُقرة)، وأحس فى كل تجمع برجفة، وفى كل مظاهرة برعشة؟ لذا فإننى يا سيادة الرئيس فى حاجة ماسة لأن تقر عينى، وتطمئن قلبى، وتزيل مخاوفى، والشعب كله غلبان مثلى سيادتك، وحائر مثلى، ويرى – كما أرى – المشهد ضبابيًّا غامضًا، ويرى أشداق الضباع النذلة تشخب دمًا، والثعابين تفح فحيحًا، ورياح الشر تزف زفيفًا، والشر يبدى ناجذيه الشيطانيين، وسيادتك (إيدك فى المية)، ولو فى الظاهر، لا تريد أن تُطمئن أحدًا، ولا تحسم أمرًا.. فى أمريكا على ما أذكر – وحضرتك أدرى منى بأم رجل مسلوخة - حديث أسبوعى للرئيس، وهناك كشف حساب دورى يقدمه لشعبه يعرض عليهم فيه ما أنجز، وفيها أيضًا برامج عديدة من نوعية: press Face the Truth, Meet the face the press, وأشباهها، فمتى سيدى تريح القلوب؟ واجه الشعب يا ريس وأجب عن أسئلتهم الملحة والعاجلة: هل ستصطاد حيتان الفساد أم ستتركها تعيث فى مصر تخريبًا ونحرًا وانتهابًا؟ هل ستواجه البلطجة أم سيبقى الأمن عاجزًا - بل متعاجزًا - لا يستطيع أن يحمى نفسه، والخطف عينى عينى، وقطع الطريق (على ودنه) والمسجلون الخطرون يسيرون فى الشوارع حاملين السنج والسيوف والمقاريط والمسدسات (والجدع يكح)! كرر على مسامعهم سيدى أن شخص رئيس الجمهورية له حدود تعامل، وبروتوكول، وأدب، واحترامه من مهابة الدولة، فلا ينبغى أن يفهم كل سافل الأخلاق أن مقام رئيس الجمهورية يساوى مقام زميله على (الغرزة)! ملامحك سمحة شعبية أليفة طيبة بفضل الله تعالى، وسيادتك قريب من قلوب الناس العاديين؛ فواجههم سيادتك، وقل لهم بصراحة: أنا بدونكم رجل واحد.. وبكم أنا رئيس قوى أمين مكين، فهل ستعطوننى فرصة للإصلاح أم لا؟ هل ستصبرون علىّ أم لا؟ هل ستمكنوننى من ممارسة صلاحياتى الكاملة أم لا؟ اشرح لهم الوضع بدقة مع الفئويين/ مع الطائفيين الانتهازيين/ مع الفلول/ مع الخائفين من انتشار روائح عفنهم ووسخهم/ مع الإعلام، المشوش، المهرج، الذى نبت لحم أكتافه على موائد سماسرة لحم مصر، وعرض ومصر، ودين مصر، ومستقبل مصر، ووجود مصر! قل لهم يا سيدى إنك تحتاج زمنًا.. وتحتاج فرصةً، وتحتاجهم معك، وإنك لا يمكن أن تصلح فساد ستين سنة فى أسبوع، ولا شهر، ولا سنة، ولا ثلاث سنين! سلهم سيدى الرئيس: هل تريدون أن تعود مصر قوة مهيبة فى الدنيا كلها؟ إذن فأعينونى بقوة/ هل تريدون قضاء حوائجكم؟ إذن فأعينونى بقوة/ هل تريدون إصلاح الزراعة؟ إذن فأعينونى بقوة/ هل تريدون إصلاح التعليم والإدارة والصناعة؟ إذن فأعينونى بقوة/ هل تريدون أن أشغل عاطليكم، وأعلم جاهليكم، وأطور خامليكم، وأدرب فاشليكم؟ إذن فأعينونى بقوة.. بدونكم لن أفعل شيئًا، ولن أصلح أمرًا، ولن أزرع خيرًا أو استأصل شرًّا.. قل ذلك لشعبك سيدى؛ وليس ذلك عيبًا ولا نقصًا ولا مهانة؛ بل نبلاً، ورجولة، وأمانة، ووطنية.. قل لهم سيدى إن أحدًا لن يمكنه أن يبنى ووراءه ألف يد تهدم ما يبنى؟ قل لهم إن مصر تحتاج من يضحى لها لا من يضحى بها/ تحتاج من يفكر فيها لا من يفكر ضدها/ تحتاج من يعمر ويحفظ لا من يأخذ من بيت أبيه الخربان كل طوب الجدران! قل لهم إن أبواق الشر، وخفافيش الظلام، وجعاجعة قنوات الضرار يعملون، وواجههم بحزم.. هل تعرف مسجد الضرار سيدى؟ أنت تعرفه والله، وتعرف حكايته، وقارئى الكريم يعرف كذلك.. لكن الذكرى تنفع سيدى: للاختصار أوجز ما ذكره العلامة ابن عاشور فى التحرير والتنوير، إن قوله تعالى فى السورة الفاضحة المقشقِشة المسماة سورة التوبة: والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا..... (إشارة إلى قصة اتخاذ المنافقين مسجدًا قرب مسجد قباء؛ لقصد الضرار.. وكان سبب بنائهم إياه أن أبا عامر الراهب كان قد تنصر فى الجاهلية، فلما جاء الإسلام كان من المنافقين، ثم جاهر بالعداوة، وخرج فى جماعة من المنافقين، فحزّب الأحزاب التى حاصرت المدينة فى وقعة الخندق، فلما هزمهم الله أقام أبو عامر بمكة، ولما فتحت مكة هرب إلى الطائف، فلما فتحت الطائف، وأسلمت ثقيف خرج أبو عامر إلى الشام يستنصر بقيصر، وكتب إلى المنافقين من قومه يأمرهم بأن يبنوا مسجدًا ليخلصوا فيه بأنفسهم، ويعدهم أنه سيأتى فى جيش من الروم، ويخرج المسلمين من المدينة، فانتدب لذلك اثنى عشر رجلاً من المنافقين، فبنوه بجانب مسجد قباء، وذلك قبيل مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وأتوا النبى صلى الله عليه وسلم، وقالوا: بنينا مسجدًا لهذى العلة، والحاجة، والليلة المطيرة، ونحن نحب أن تصلى لنا فيه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى على جناح سفر، وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه.. فلما قفل من غزوة تبوك سألوه أن يأتى مسجدهم، فأنزل الله هذه الآية، وحلفوا أنهم ما أرادوا به إلا خيرًا.. لقد بنوا مسجدًا ضرارًا.. وحلفوا أنهم مسلمون، وأنهم يصلون فى المسجد، وأنهم وطنيون، وأنهم يريدون الخير، تمامًا كما يراهن ضباع قنوات الضرار على الوطن، ويؤكدون للناس أنهم أكثر الناس وطنية، والأفهم للإسلام، والأحرص على مصر، والأوسع أفقًا، والأدرى بالمصلحة، وأن غيرهم خاين وتابع وجاهل وعميل وقاتل وزانٍ.. يتكلمون بمنتهى الصفاقة عن الزنا والأخلاق، وتخرج مغموصة تقول بمنتهى التبجح: ابدأوا بإقامة الحدود على (الشيوخ) الزناة القتلة اللصوص!.. أصحاب الكباريهات وعلب الليل يتحدثون عن الشرف، ووكلاء مبيعات إسرائيل يتحدثون عن الوطنية، ولاعقو الأحذية وبواسو الأيدى يتحدثون عن الكرامة، وناهبو المال العام وأثرياء الفساد يتحدثون عن طهارة اليد، ويتهمون غيرهم بالفساد والإثراء وسوء الأخلاق.. ويثرثرون عن بلطجة الإسلاميين، وحرس مرسى، وصلاته الفجر، وعجزه عن حل المشاكل، والفساد الضارب أطنابه على مصر (فى عهده).. يا ريس أبوس رجل سيادتك.. قل شيئًا! يا رب احم مصر وأهلها يا كريم.. وقها شر كل مجرم أثيم، وعتل زنيم، وحشاش لئيم، وشيطان رجيم! [email protected]