إستكمالا لنوادر د. عبد المنعم سعيد في (الأهرام) عن مسرحية إنتخاب الرئيس ، أتناول اليوم بعض ما جاء في عدد (29/8) ، حيث يتساءل الكاتب: "هل يوجد من بين المرشحين الآخرين من داخل الحلبة أو خارجها ممن يمكن القول بأن له من الإنجازات التاريخية أو غير التاريخية ما يطاول إنجازات مبارك" ، علما كما أشرت بالأمس أن سياسات نظام حكم الرئيس مبارك وجيش المستنفعين المحيط به هم المسئولون على وأد الحياة الحزبية والسياسية في مصر، واستخدام الطوارئ والمحاكم العسكرية لمنع أية شخصية معارضة من تحقيق إنجاز من أي نوع ، وذلك حتى يظل الرئيس مبارك هو الوحيد صاحب الإنجازات المزعومة. ومع ذلك هل يجرؤ الكاتب على الزعم أن الرئيس مبارك يمكن أن يصمد في إنتخابات حرة بعيدة عن أيدي المزورين أمام شخصية بوزن د.عصام العريان المعتقل الآن في سجون النظام ، والذي يعلم الكل حجم إنجازاته عندما كان عضوا بالبرلمان؟ إن عصام العريان هو مجرد مثال ، ومصر مليئة بمن هم أفضل وأكفأ وأقوى وأشجع وأقدر من الرئيس مبارك على قيادة مصر وجذب العرب إليها للاصطفاف خلفها . ويشكو سعيد من أن "كل من يصل إجتهاده إلى تفضيل الرئيس مبارك يوصف بأنه واحد من المنافقين للسلطة والساعين للسلطان." ولكن هل هناك تفسير آخر لتفضيل نظام حكم الرئيس مبارك . أليس هو المسئول الأول عن وجود مراكز القوى في مناصبها ؟ ألا يعني تفضيل الرئيس مبارك تفضيلا لكل المساوئ والكوارث المرتبطة بنظام حكمه ، والتي قمت بتفصيلها في مقال سابق ؟ إن إبراهيم نافع ما كان له أن يؤبد في الأهرام لولا كتاباته عن مبارك وكأنه معصوم من الخطأ . فطوال حكمه لم يجد نافع لمبارك خطأ واحدا ولا زلة يؤاخذ عليها. وهل كان لعبد المنعم سعيد أن يؤبد في منصبه ويحتكر مساحته في الأهرام لولا تأييده لمبارك ؟ أليست أسرع وسيلة في مصر إلى تأمين السلطة والسلطان هي منافقة الرئيس ؟ ويعجب سعيد من "كثير من المعلقين الذين يكتبون مطولات حول رفضهم للرئيس مبارك بينما لا نعلم ما هي تفضيلاتهم بين المرشحين .. وأعجب حينما تكون إنتقاداتهم وهجومهم على الشخص (الذمة المالية والثروة الشخصية) وليس الموضوع". بل إن الرئيس مبارك هو الموضوع لأنه رأس النظام المفروض بالقوة . والنظام والحزب لا يعتمدان في إستمرارهما إلا على الرئيس . ولو جاء رئيس آخر من تيار سياسي آخر، لهرولت جماعات النفاق في النظام إلى الرئيس الجديد وأفسدت نظامه كما فعلوا مع الرئيس مبارك. ولذلك نحن بالفعل نرى أنه لا ديمقراطية في عملية تحتوي مبارك وتستثني رموز الإسلاميين ، لأن المنافسة الوحيدة الجادة لنظامه لا يقدر عليها سوى التيار الإسلامي. ويمن سعيد علينا بقوله أنه "لم يكن ممكنا السير قدما على طريق تعمير سيناء إلا عندما تبنى الفكرة الرئيس مبارك ، ولم يكن ممكنا السير في طريق تعديل الدستور لولا أن تبناه الرئيس مبارك." والواقع أن الرئيس مبارك أفطرنا على بصلة بعد ربع قرن من صيام فرضه علينا بسبب خوفه من فكرة التغيير، وأن هذه البصلة لم يقدمها إلا بعد أن أجبره الأمريكيون على ذلك . أما عن طرفة تعمير سيناء ، فسيناء لم يجر بها أي تعمير للمصريين . حتى العريش لم يصل ماء الشرب إلى صنابيرها حتى اليوم. وكل ما فعله نظام الرئيس مبارك هو بناء قرى سياحية فاخرة للأجانب ، ومنع المصريين من زرع كثافة سكانية حتى تظل سيناء آمنة لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين يمرحون فيها كيفما شاءوا. ثم نأتي إلى أطرف نوادر سعيد، وهي تلك المتعلقة بالنزاهة، حيث يقول "المهم بالنسبة لمصير الديمقراطية في مصر أن تتضمن ليس فقط نزاهة صناديق الانتخاب ولكن أيضا نزاهة الرأي ، فيقبل بما يقبل به الناس." وهذا أمر أتفق فيه تماما مع الكاتب ، ولكن هل يقبل هو بما يقبل به الناس ؟ هل يقبل بالإسلاميين الذين قبل بهم الناس في كل إنتخابات حرة جرت على مستوى النقابات ونوادي هيئات التدريس ؟ هل كتب الكاتب مرة دفاعا عن حقي كإسلامي في ممارسة السياسة والتعبير بحرية عن رأيي في (الأهرام) ؟ لو أن الكاتب لديه أدنى حد من نزاهة الرأي لكان فعل ما يفعله على سبيل المثال د. وحيد عبد المجيد و د. سعد الدين إبراهيم . هذان كاتبان يختلفان جذريا مع الأجندة الإسلامية ويؤمنان بالتطبيع مع إسرائيل . غير أن المرء لا يملك إلا أن يشعر تجاههما بكل احترام وتقدير على نزاهة رأيهما ودفاعهما عن حق مواطني مصر من التيار الإسلامي في ممارسة كافة حقوقهم السياسية . أما عبد المنعم سعيد وأمثاله فالأفضل لهم أن يتجنبوا الخوض في مسألة النزاهة تلك. [email protected]