استنادًا إلى حملة التفجيرات "الانتحارية" والاغتيالات في فصل الشتاء، والعلم بأن القوات الأمريكية ستغادر جنوبأفغانستان، يبدو أن حركة طالبان سوف تنقل عملياتها إلى مرحلة جديدة؛ بإغراق المناطق القروية جنوبأفغانستان بالأسلحة والمقاتلين. فكل ربيع مع قدوم الطقس الدافئ، يبدأ موسم القتال، ولكن حجم وجود المقاتلين أصاب المسئولين الأجانب والأفغان بالقلق أكثر من السنوات الماضية. وقال التاجر الأفغاني حاج سيف الله لقائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال كارل إيكنبيري - بينما كان يقوم بجولة في أحد الأسواق الأفغانية في مدينة تيرين كوت عاصمة إقليم أوروزغان الجنوبي-: "طالبان والقاعدة موجودان في كل مكان". "كل شيء على ما يرام في المدينة، ولكن إذا ذهبت خارج المدينة، فإنهم في كل مكان...". إن حقيقة أن القوات الأمريكية ستنسحب من جنوبأفغانستان في الأشهر القادمة، وتسلِّم المسئوليات لقوات حلف الناتو، الذي أكد مرارًا أنه لن يقاتل "الإرهابيين"، أعطى دفعة للمقاتلين في أفغانستان... إن وصول الأعداد الكبيرة من طالبان في القرى، مزودين بالأسلحة والمال، وجّه ضربة إلى ثقة الجمهور في الحكومة الأفغانية، المقوّضة بالفعل بسبب عدم تحقيق تقدم ملموس في البلاد والإحباط من فساد وعدم كفاءة القيادات. وقد اعترف مسئولون أمريكيون وأفغان أن أوروزغان - الذي حشد فيه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الدعم ضد طالبان في الأشهر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر - يقع الآن في قبضة المقاتلين الإسلاميين مرة أخرى، وأن عاصمة الإقليم محاطة بمناطق خاضعة لسيطرة طالبان. وقد وصف التقرير الأخير لأحد أعضاء بعثة الأممالمتحدة في أفغانستان - الذي اطلعت عليه "نيويورك تايمز" - مخاوف مماثلة. وقال مسئول عسكري أمريكي: إن الحاكم الجديد لأوروزغان "عبد الحكيم منيب" - الذي تولى منصبه منذ شهر - يسيطر فقط على "فقاعة", أو جزء ضئيل جدًا فقط حول تيرين كوت, بينما يشهد باقي الإقليم وجودًا كثيفًا للمقاتلين، حتى أن جميع المقاطعات حُددت بلون أحمر في الخرائط العسكرية بالقاعدة الأمريكية العسكرية القريبة؛ للدلالة على ذلك. وقال المسئول الأمريكي: إن إقليم أوروزغان مُزعج دائمًا، ولكن الخريطة تميّز التدهور منذ العام الماضي، عندما تم تلوين مقاطعة مركزية واحدة على الأقل باللون الأخضر. وقال الحاكم منيب للجنرال إيكنبيري ومجموعة من الوزراء الأفغان في اجتماع مع الزعماء القبليين: "الوضع الأمني ليس جيدًا.. أعداد طالبان والعدو في أوقات عديدة أكثر من الشرطة والجيش الوطني الأفغاني في الإقليم". أوروزغان ليس الإقليم الوحيد الذي يترنح خارج سيطرة الحكومة, فهلمند وقندهار إلى الجنوب تم اجتياحها من قبل المقاتلين هذا العام، بينما جماعات كبيرة من طالبان - بحسب تقارير - تتحرك في أنحاء البلاد... متعطشة إلى خوض معارك مع قوات التحالف أو القوات الأفغانية. كما يسيطر المقاتلون أيضًا على أجزاء من أقاليم زابول وغازني وباكتيكا الجنوبية، وضاعفوا نصب الأكمنة على الطريق العام كابول - قندهار. وبحسب مصدر مخابراتي غربي مقرب من الإدارة الأمريكية، فإن إدارة بوش قلقة إزاء الوضع في أفغانستان. وقال: إنه بينما يعتبر أعضاء كبار في الإدارة أن الوضع في العراق ليس سيئًا كما تصوّره الصحافة، فإن الوضع في أفغانستان أسوأ من الصورة التي ترسمها إدارة بوش. وسئل المتحدث باسم البنتاجون بريان ويتمان عن تصاعد نشاط طالبان في الجنوب، فقال: "إننا نرى نشاط طالبان يتقلب من وقت لآخر". وأضاف أن قوة الناتو بقيادة بريطانيا التي ستتولى المسئولية من القوات الأمريكية في الجنوب "جيدة التسليح والقيادة، والقوات معدّة بشكل كامل للعمل في هذه البيئة الصعبة وللتعامل مع أية تهديدات". وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة ستظل أكبر دولة تساهم بقوات في أفغانستان، وستظل المسئولية الرئيسة لعمليات مكافحة "الإرهاب" وتدريب وحدات الجيش الأفغاني تقع على عاتقها، حتى مع تولي الناتو للمسئولية في الجنوب. وفي واحدة من أخطر التطورات، انتقل نحو 200 من طالبان لمقاطعة بانجاوي، القريبة من عاصمة الجنوب "قندهار" معقل كرزاي. واشتبكت قوات الشرطة الأفغانية وقوات التحالف معهم منذ أسبوعين، وعلى الرغم من ذلك عاد مقاتلو طالبان، يتجولون في القرى بالأسلحة بشكل علني، ويجلسون تحت الأشجار يأكلون التوت، بحسب أحد سكان المقاطعة. وللمرة الأولى أرسلت الحكومة الأفغانية 500 عنصر من الجيش الوطني الأفغاني المدرب حديثًا إلى الإقليم المهمل. وقوة الشرطة الرسمية لأوروزغان هي 347 عنصرًا، إضافة إلى 45 عنصرًا منتشرين في كل مقاطعة من المقاطعات الخمس، ولكنها في الحقيقة بعيدة عن القيام بدورها. وقدّر مسئولون أمريكيون قوة طالبان في الإقليم ما بين 300 إلى 1000 عنصر. بينما قدّر الحاكم أن هناك 300 مقاتل من طالبان في كل ولاية. وتحذّر طالبان الأفغانيين من توقع مزيد من الهجمات. وقال سيف الله للجنرال إيكينبيري: "نهارًا.. الناس والشرطة والجيش مع الحكومة، ولكن في الليل.. الناس والشرطة والجيش جميعهم مع طالبان والقاعدة". وقال رجل آخر يدعى، رحمة الله، للجنرال: إن شقيقه اعتقل من قِبل القوات الأمريكية, وإن الغارات وتفتيش المنازل جعل الشباب يتجهون للجبال للانضمام للمسلحين. وقال للجنرال: "أطلق سراح أخي، والزعماء القبليون سيقنعون الشباب بالعودة إلى بيوتهم ووقف القتال". وقال محافظا أوروزغان وقندهار - أكثر المعرّضين لخط نار طالبان - في مقابلات: إنهما ضغطا على الرئيس الأفغاني لتزويدهم بقوة 200 من ضباط الشرطة لكل مقاطعة – وهو أربعة أضعاف الأعداد الحالية – وتزويدهم بمزيد من الموارد لإعدادهم وتجهيزهم على نحو مناسب، وهو الأمر الذي وافق عليه كرزاي. لكن الجنرال إيكنبيري أبدى تحفظه إزاء الفكرة، وحذّر من أنه ليس هناك ضباط مدربون يكفون لإرسالهم إلى المنطقة، والأهم من ذلك عدم وجود قادة جيدين للسيطرة على قوات الشرطة. وقال: إن أوروزغان يعاني استمرار وجود طالبان والتضاريس المُنفّرة، التي جعلت الأمن والحكم في غاية الصعوبة، ما أدى إلى إهمال من الحكومة المركزية. وأضاف ليس هناك إصلاح شرطة أو تدريب لقواتها أو وجود للجيش الوطني الأفغاني، وفعليًا ليس هناك تطوير. ويأمل الجنرال في أن تتغير الأوضاع هذا العام مع زعماء محليين أفضل وجدد. وقال: إن استبدال المحافظ وقادة الشرطة والمخابرات ينبغي أن يسمح لإصلاح وحكم أفضل. المصدر : مفكرة الاسلام