أخيرًا تقدم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بأوراق تأسيس حزبه "مصر القوية" رسميًا إلى لجنة شؤون الأحزاب، هذه لحظة مهمة جدًا وفارقة في مسار كل من الحركة الوطنية والحركة الإسلامية، كما أنها أول خطوة جدية وإيجابية تحدث في حياتنا السياسية المليئة بالعبث والفوضى طوال شهرين تقريبًا، مصر اليوم بحاجة إلى جهد البناء والعمل وليس الصراخ والتهييج ومحاولة هدم ما يفعله الآخرون واعتبار ذلك هو غاية النضال وأعلى أهداف الثورة!!، أبو الفتوح لم يدخل في سوق المزايدات في الشارع، ولكن دخل من بوابة العمل والاستعداد للنزال الحقيقي والاحتكام إلى الشعب أمام صناديق الانتخابات، وكان بمقدوره إن أراد أن ينزل إلى الشارع في مناسبات كثيرة لأي حجة وأي موقف يراه سلبيًا، وما أكثر تلك المواقف الآن، ولكنه كان مشغولاً بالعمل الحقيقي والبناء والتخطيط للمستقبل، مستقبل الوطن كله وليس تيارًا أو فئة، ومن هنا يحق لنا الاحتفال بخطوة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الجديدة والتي نتمنى أن تثمر وتزهر في المستقبل القريب. أبو الفتوح يمثل التيار الوسطي في الحالة السياسية الإسلامية، وهي المنطقة التي ما زالت تعيش فراغًا وسط استقطابات كثيرة بين تيارات الحركة الإسلامية على خلفية جذور فكرية ومنهجية وتاريخية ما زالت تحكم كل فصيل وتحدد اختياراته إلى حد كبير، حزب أبو الفتوح غير مثقل بتلك الجذور، وهذا يعطيه ميزة كبيرة في الانطلاق نحو المستقبل بأفكار جديدة ورؤى جديدة وتحالفات جديدة، كما تعطيه "عباءة" أوسع لاستقطاب نشطاء وكفاءات وطنية لم تنتم من قبل للتيار الإسلامي، ولكنها تؤمن بهوية المجتمع وتنزع إلى الإصلاح والوسطية السياسية والدينية، وهذا قطاع غير قليل في الأجيال الجديدة بشكل خاص، أيضًا أبو الفتوح لا يحسب على التيار الكبير والتاريخي، جماعة الإخوان، التي يثير ذكرها الآن توترًا لدى الأوساط اليسارية والناصرية والليبرالية باعتبارها تستحوذ على مساحة شعبية كبيرة وإمكانيات بشرية ومادية أكبر من أي حزب آخر وخبرة تاريخية تمنحها الأفضلية السياسية في أي نزال سياسي قريب، كما أنها وصلت بأحد أعضائها إلى كرسي الرئاسة وبالتالي يفزعهم أن يستحوذوا على بقية مؤسسات الدولة، وأنا أقول هذا على سبيل السرد فقط لتلك المشاعر رغم تحفظي على مبالغاتها، أبو الفتوح بعيد عن تلك المخاوف، ورغم أن جذوره كانت إخوانية إلا أن اختياراته الجديدة ذهبت به بعيدًا عن الجماعة واختياراتها بشكل حاسم، وبالتالي لا توجد حساسية زائدة من حزبه الجديد في الأوساط المختلفة، بل لاحظنا القبول الواسع بها والترحيب بتلك الخطوة من الجميع، ليس فقط لأن شخصية أبو الفتوح المنفتحة والسمحة تكسب الأصدقاء ولكن لأن مشروعه في حد ذاته يعتبره الكثيرون دعمًا للتوازن السياسي في الخريطة الجديدة بمصر. ومن باب الحب والحرص والأمانة أدعو "أبو الفتوح" إلى كسر دائرة "النخبوية" التي التصقت بتياره وأضرت بحملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية، النخبة تصلح لمجالات نظرية محددة إعلاميًا وثقافيًا، ولكن أمام "الصندوق" المعايير تختلف، والخريطة الديمقراطية يحددها البسطاء والعوام في القرى والنجوع والبوادي ومدن الدلتا الصغيرة والصعيد الجواني والأسر الكبيرة والعشائر والكتل الشعبية، ولا تحددها صالونات جاردن سيتي ووسط البلد، كما أتمنى أن يكون أكثر انفتاحًا على التيار السلفي باجتهاداته وأحزابه المتنوعة، لأن الهوة بينه وبين هذا التيار الضخم تضر به، ورغم التباينات "المفهومة" بين الوجهتين والاختلاف في منطلقات عدة منهجيًا ودينيًا، إلا أن العمل السياسي لا يبنى عادة على هذه الاعتبارات وحدها، وإنما يبنى على توافقات لمصالح سياسية ودينية واجتماعية وقيمية جزئية واسعة تجمع أحيانًا المتناقضات أمام تحدٍ واحد، فهي بالأحرى تجمع المختلفين من أبناء التيار الإسلامي في أكثر من محك سياسي مقبل، وقد لاحظت أن فريق عمل أبو الفتوح يسقط هذا الباب من حساباته بصورة شبه تامة، وذلك في قناعتي كسل سياسي، واستعلاء نخبوي لا يصلح لعمل "شعبوي" يفترض أنه أذكى من أن يخسر بسهولة ومقدمًا أكثر من عشرة ملايين صوت انتخابي. [email protected]