الظرف الدقيق الذي تمر به مصر حاليا ، وما تشهده البلاد من أحداث ومتغيرات سياسية .. يبرزان الحاجة العاجلة إلى إيجاد مرجعية وطنية مستقلة الإرادة وجامعة لكل التيارات السياسية والفكرية . فثمة استحقاقات واجبة التنفيذ في مرحلة المخاض الحالية تنتظر الحركة الوطنية ، ولا تستطيع جهة منفردة القيام بها . أولى هذه الاستحقاقات السعي لاقتناص نسبة معقولة في الانتخابات البرلمانية القادمة ، تعطي دفعة سياسية وشرعية لدعاة الإصلاح ، وتمهد الطريق للتغيير الحقيقي ، وتعتبر هذه الخطوة هي المحك الأول في سلسلة التحديات التي ستواجه الحركة الوطنية في الأيام القادمة ، وهو ما يتطلب منها الانتقال سريعا من مرحلة المطالبة (الصوتية) بالإصلاح ، إلى مرحلة (الفعل الإصلاحي) ، وما يقتضيه من مهام ومسؤوليات ، وما يتطلبه من أعمال واستحقاقات . وإذا كنا نشهد بالفعل حراكا وزخما متصاعدا في المشهد السياسي الحاصل الآن ، يتمثل في ظهور العديد من الحركات السياسية والفعاليات النضالية ، كحركة كفاية والتحالف الوطني والتجمع الوطني وغيرهم .. إلا انه يظل حتى الساعة جهدا متفرقا وغير منتظم ، ولا يستطيع بوضعه الحالي وألياته الآنية التعاطي مع المستجدات القادمة بالكفاءة التي نتمناها .. المشكلة الثانية هي عدم وجود زعامات جماهيرية ذات كاريزما ملهمة تجذب قطاعات واسعة من الناس ، وتستطيع قيادة الجماهير والسيطرة على الشارع .. هذه القيادات قد تظهر في المستقبل ، ولكنها بالتأكيد غير موجودة الآن . والحل برأيي أن تبادر هذه الحركات إلى تأسيس (مرجعية وطنية) تمثل قيادة شعبية عليا ترجع إليها الأمة فيما يخص أمور السياسات العامة .. ونقترح أن تكون البداية على شكل مبادرة من حركة كفاية تدعو عددا محدودا من كبار المفكرين يمثلون الطيف السياسي والثقافي في البلاد ، تشكل منهم مجلسا وطنيا موحدا باسم (مجلس حكماء الوطن) يمثلون في إطاره المرجعية السياسية للأمة ، على أن يأخذ المجلس شكلا مؤسسيا مستقلا ذا طابع أهلي .. وفي هذا الإطار نقترح أن يتم اختيار خمس شخصيات من كل تيار من التيارات السياسية الرئيسية في بلادنا ، وهم : (الليبرالي والقومي واليساري والإسلامي) .. بمجموع عشرين شخصية من ذوي الحيثية والاعتبار في المجتمع والمشهود لهم بالحكمة والاعتدال والقبول بين أوساط المثقفين عامة ، يشكلون فيما بينهم مجلسا وطنيا يبدي رأيه في جميع القضايا المطروحة ، ويتولى وضع أجندة وطنية ترسم آليات الإصلاح وتحدد مراحل زمنية لتطبيقه ، ويضطلع بمهام مراقبة تنفيذه . أما تشكيل أعضاء المرجعية والشروط والصفات الواجب توافرها فيهم ، فتحددها جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم وعظم الدور المرتجى منهم .. فمنها صفات عامة كالاستقلالية والموضوعية والمصداقية والاعتدال ، وصفات خاصة كالنزاهة والأمانة الشخصية والصلابة والثبات على الموقف ، وغير ذلك من مواصفات وشروط مطلوبة فيمن يفترض أنه يمثل مرجعية وطن بأسره . ويمكننا طرح أسماء وطنية لامعة نرى فيهم جدارة للالتحاق بهذا العمل الكبير ، وهم على سبيل المثال لا الحصر : (طارق البشري ، يحيى الجمل ، جلال أمين ، عبد الغفار شكر ، حازم الببلاوي ،عاطف البنا ، رشدي سعيد ، سلامه احمد سلامه ، فهمي هويدي ، عبد الوهاب المسيري ، محمد سيد احمد ، نبيل الهلالي ، ميلاد حنا ، محمد سليم العوا ، كامل زهيري ، محمد عوده ، عبد العظيم أنيس ، احمد جويلي ، سكينه فؤاد ، يحيى الرفاعي ، فاروق جويده ، يونان لبيب رزق ، حسب الله الكفراوي ، إبراهيم درويش ، قاسم عبده قاسم ) . الإنجاز المطلوب من المرجعية المقترح تأسيسها كبير وعظيم ، وهو بحجم إنقاذ وطن واستنهاض امة ، ومن شأن هذه المرجعية تغيير المناخ السياسي وتبديل ظروف اللعبة السياسية وتسريع وتيرة الإصلاح ، ومن شأنها أيضا إيقاظ الناس فرادى وجماعات وبث الأمل في نفوسهم ، وحشد جميع القوى وراء هدف وطني عام .. فيما سيتيح للنخب استعادة دورها الغائب في قيادة الجماهير ، وستشكل ضغطا سياسيا نافذا يصعب على الحكومات مقاومته . [email protected]