كان منطقيًا ومتوقعًا بعد نجاح ثورة يناير المباركة، وتمكن المصريون من إسقاط الطاغية أن يتعاونوا جميعًا للنهوض بوطنهم، وأول شروط النهضة: بناء دولة المؤسسات المستقرة التى يطبق فيها القانون على الجميع، وهو ما بدأنا نراه فى مصر بعد تولى الرئيس الدكتور محمد مرسى مقاليد الحكم، فبسلاسة وهدوء أنهى حالة الازدواجية التى كانت موجودة فى الدولة المصرية، وبجراحة دقيقة تمكن من القضاء على حكم العسكر وجعل مصر دولة مدنية بامتياز، وانطلقت اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور فى عملها وبذلت جهدًا كبيرًا، وأخرجت منتجًا متميزًا هو المشروع الأوّلى للدستور، وسيخضع للمناقشات والتعديل والتبديل؛ للوصول إلى توافق مجتمعى حول صيغته النهائية ليكون دستورًا حضاريًا لائقًا بمصر. وعلى الصعيد الخارجى حقق مرسى نجاحات كبيرة شهد بها الجميع وأعاد من خلالها لمصر بعض قوتها الناعمة المتآكلة، وقام بحملة عسكرية ناجحة لحماية الأمن القومى المصرى فى سيناء، وبدأ فى وضع خطة شاملة لتنميتها وتوطين أربعة ملايين مصرى فيها؛ ليكونوا خط الدفاع الأول عنها وعن الوطن كله، كما حقق فى الداخل إنجازات جيدة فى عدة ملفات مهمة بمتوسط نجاح بلغ نحو (70٪) وهذا كله فى مائة يوم فقط!! ثم انطلق لفتح أخطر الملفات على الإطلاق وهو ملف الفساد المستشرى فى جميع أوصال الدولة المصرية، ولا أبالغ إن قلت إن الفساد هو أخطر الأوبئة الفتاكة المستوطنة فى مصر منذ عقود، وقبل عدة أيام وجَّه مرسى ضربات موجعة لقلعة الفساد، وعندما بدأت تترنح وتتهاوى تجمع الفاسدون مجددًا وشكَّلُوا حلفًا جديدًا للوقوف أمام حملات التطهير التى يقودها الرئيس المنتخب، وبكل أسف بدلاً من أن نرى القوى السياسية تقف مع الوطن فى حربه على الفساد وجدنا بعضها يقف مع معسكر الفاسدين بدافع كراهية الإخوان والتنافس السياسى غير الشريف معهم!! وبدلاً من استثمار النجاحات التى حققها مرسى وتدعيمها والبناء عليها لمصلحة الوطن فوجئنا بتجدد محاولات إثارة الفتن السياسية والتحرش بالإخوان، وضربهم، وإحراق حافلاتهم، وتأجير البلطجية للاعتداء عليهم بشكل فاضح، ثم إلصاق التهمة بهم والافتراء عليهم بأنهم هم المعتدون، والغرض من كل ذلك تأليب الشعب عليهم لينفض عنهم ويقف ضدهم!! وبدهى جدًا أن نتساءل الآن: لمصلحة مَن يحدث كل هذا؟ لمصلحة مَن عرقلة مسيرة الإصلاح والبناء التى انطلقت؟ لمصلحة مَن إيقاف الحرب على إمبراطورية الفساد فى مصر؟! لمصلحة مَن التشويش على الرئيس مرسى وطمس إنجازاته وتأليب الناس عليه؟ لمصلحة مَن محاولات إفشال اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور؟! لمصلحة مَن إرباك البلد ونسف كل ما تم إنجازه حتى الآن والعودة للمربع الأول؟! لمصلحة مَن تشويه الإخوان (والإسلاميين عمومًا) وشحن المجتمع ضدهم؟ لمصلحة من هذا الاستقطاب الحاد، وتأزيم الوضع السياسي، وزيادة الاحتقان المجتمعى فى مصر عبر الوقفات الاحتجاجية والإضرابات الفئوية التى لم تتوقف منذ اليوم التالى لتولى مرسى المسئولية؟! وكأن معه عصا سحرية ستحل مشاكل ستة عقود كاملة بلمسة واحدة!! أجل لمصلحة مَن كل هذه الإثارة ودفع البلاد إلى حالة من الفوضى والاضطراب؟! ومن يقف وراء كل هذه الأفعال؟! مَن يخطط ويوجه ويرتب لإحداث كل هذه الفتن؟! مَن المستفيد مِن هدم كل ما يُبنَى وإيصال المجتمع إلى حالة من الإحباط واليأس؟! وما سر تحالف اليسارى مع الليبرالى والفلولى مع العلمانى لإفشال مرسى وإسقاطه؟! ومَن الفاعل والمحرك الرئيسى لكل هذه الأحداث؟! أعتقد أن الإجابة أوضح من الشمس، فلم يعد هناك طرف ثالث ولا (لهو خفي) ولعل تكتل الكثيرين من شتى المشارب السياسية فى أزمة النائب العام الأخيرة وتمترسهم خلفه يكشف لنا بكل وضوح أن الدولة العميقة ما زالت موجودة، وما تزال أذرعها المنتشرة فى مؤسسات الدولة المختلفة تعمل بكل قوة، وما تزال تتعاون مع كل القوى المناوئة للإخوان فى الداخل والخارج وتشكل معهم حلفاً قوياً؛ لإفشال الإسلاميين، وتعويق مسيرتهم، وشل حركتهم، ومنعهم من تحقيق أى إنجاز مباشر يلمسه الناس ويستفيدون منه فى حياتهم اليومية، على أمل أن ينفض الشعب عن الإخوان ويُسقِطَهم فى الانتخابات القادمة!! ومن هنا أتمنى أن ينتبه الإخوان (وسائر الإسلاميين) لما يحاك ضدهم، وألا ينساقوا وراء الخطط القذرة التى تستدرجهم لحتفهم السياسي، وأقول لهم: كفانا مليونيات أرجوكم... الشعب يريد الاستقرار والحياة الكريمة الهادئة.. يريد فرص عمل جديدة وسكنا لائقا ومرتبات مجزية ... يريد تعليما جيدا وخدمات صحية مناسبة... يريد ديمقراطية حقيقية وتوافقا وطنيا.. الشعب يريد من كل القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان العمل الجاد البنَّاء، والتوقف عن الجعجعة واستعراض العضلات!! [email protected]