أكثر الكلمات شيوعا بأقلام التبريريين من أتباع نظام الرئيس مبارك الذين احتكروا مساحات شاسعة في الصحافة القومية هي "تجاوزات". فالتحرش الجنسي بالنساء وتمزيق ملابسهن يوم الاستفتاء على تعديل المادة 76 يسمونه "تجاوزات" ، وحشد الناس كالقطعان في حافلات وسوقهم إلى مراكز الاقتراع ضد رغبتهم يسمونه "تجاوزات" ، وتهديد عمال المصانع والموظفين بالذهاب إلى الانتخاب وزرع مراقبين داخل اللجان للإمعان في إرهاب العامل والموظف وضمان تصويته لمبارك ، يسمونه "تجاوزات" ، وترهيب البسطاء بغرامة مائة جنيه إن هم قاطعوا المسرحية يسمونه "تجاوزات" .. وهكذا إلى آخر ما كتب عنه تقرير حركة (كفاية) بالتفصيل عن جرائم تزييف إرادة الناخب التي وقعت يوم 7 سبتمبر الماضي. بل إن أحد أقلام النفاق المعروفة في (الأهرام) كتب مستنكرا إحتجاجات المعارضة : "حتى ولو حدثت بعض الأخطاء ، دلوني من هو معصوم من الخطأ؟". نفس هذه الكلمات (تجاوزات .. أخطاء .. سلبيات) إستخدمها عشاق جمال عبد الناصر لتشويه حقائق ما كان يجري في المعتقلات من تعذيب وحشي لخصوم فرعون وإنتهاك للآدمية والأعراض والكرامات. لقد نشرت جريدة (المصري اليوم) صورا لا لبس فيها لوقائع تزوير جرت يوم 7/9. ولم نسمع أن أحدا قرر التحقيق ومحاكمة المسئولين عن اللجان التي التقطت فيها الصور. فإذا كان التعامل مع الرئيس نفسه يتم بمنطق "عفا الله عما سلف" من تزوير لجميع إنتخابات واستفتاءات مصر السابقة ، فلماذا لايعامل مدير اللجنة بنفس المنطق ؟ وإذا كانت جرائم سرطنة غذاء مصر وإعلامها وتلويث حياتها السياسية تواجه بمنطق عفا الله عما سلف ، فماذا نتوقع ؟ طالما أن حقوق مصر قابلة دائما للتفريط فيها والاستهانة بها ، وأن كل من يجرم في حق مصر وشعبها يعامل بمنطق عفا الله عما سلف ، فلماذا هذا الغضب من فاروق حسني أو مصطفى علوي إزاء ضحايا حريق بني سويف ؟ نحن نفرط منذ عقود في حق الوطن وأمنه وكرامته ، فكيف نتوقع أن تكون لأرواحنا وكرامتنا أية قيمة لدى الجماعة المتسلطة علينا؟ كم من قراء الأهرام كتبوا إحتجاجا على سيرك النفاق الذي نصبه الأهرام قبل مسرحية إنتخاب مبارك (هذا بدون إعتبار ما جرى في الصحف والمجلات الأخرى) ؟ نعم قد يمنع محرر البريد خطابا أو اثنين أو ثلاثة بشأن نفاق كتاب الأهرام لمبارك ونظامه ، ولكنه قطعا لن يتمكن من منع نشر ولو عدد محدود إذا وصله مائة خطاب حول هذه القضية. هل يوجد تفريط في حق مصر أكبر من السكوت عن سرطان النفاق الذي ينخر في جسد ومناعة البلد ؟ أليس التجديد لنظام حكم الرئيس مبارك وهو نظام ثبت فشله وعجزه وإنتهاء صلاحيته تفريط في حق مصر؟ أليس السكوت عن توريثنا لإبن الرئيس تفريط في حق مصر؟ التفريط في حق الوطن هو الذي يجعل مصر، ومن ورائها عالم العرب ، محتقرة في العالم . فمن لا يحترم نفسه ووطنه وشعبه ، يعجز عن فرض احترامه. ومن لا يفرض إحترامه ، يفرض إحتقاره. لهذا لاأحد يصغي أو يستمع إلينا لا فيما يخص فلسطين ولافيما يخص العراق . إيران تقف وحدها أمام الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي لكي تدافع عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية ، ولا تجد دولة عربية واحدة تساندها. وبعد أن كان نظام الحكم في مصر يتذرع لعدم إعادة العلاقات مع إيران بذريعة سخيفة ، وهي وجود شارع في طهران يحمل إسم خالد الإسلامبولي ، وبعد أن أزالت إيران هذا الإسم ، مايزال مبارك يرفض إعادة العلاقات لأن هكذا هي أوامر واشنطن. وبينما تصمد إيران ، يسلم العرب وعلى رأسهم مصرمبارك أوراقهم واحدة وراء الأخرى حتى انكشفت عوراتهم ، ووقف العالم يضحك على هذه الأمة العجيبة . لقد أراد الله لنا أن نكون خير أمة أخرجت للناس ، فأصبحنا بأفعالنا وتفريطنا وتسيبنا أذل أمة أخرجت للناس ، ولا حول ولاقوة إلا بالله. [email protected]