أحداث يوم "الحساب" وما سبقها وواكبها من شحن زائد وهجوم مَهوُوس لا ينبني على منطق، فماذا لو لم يسْتبق مُرسى الأحداث ويضرب فى استاد القاهرة ويلقى خطابًا شعبيًا بامتياز، يحاسب فيه نفسه بنفسه قبل أن يحاسبه الآخرون، ويكشف بالأرقام حجم الإنجازات وحجمَ الإخفاقات؟ الرجل لاشك سَريع فى حركته واسْتباقي، لا ينتظر واقفًا ساكنًا يتلقى الضربة الأولى بكل قوتها لتترك أثرها الكبير فيه، بل يُسارع فى التحرك والمناورة فى كل اتجاه ليُحصن نفسه ويخفف من أثرها، وفى نفس الوقت يكسب أرضًا جماهيرية جديدة. وقائع كثيرة كان يستبق فيها الأحداث ولولا حركته السريعة لوقع مبكرًا، أو على أقل تقدير لظل إلى اليوم رئيسًا شرفيًا، لا يملك من أمر دولته ولا من السلطات إلا كما تملك الملكة إليزابيث ملكة إنجلترا، ولظل هذا الرجل الأعجوبة أُلعوبة العسكريين وأضحوكة العلمانيين، الليبراليين منهم واليساريين! دعونا نكون أكثر مُكاشفة وشفافية ووضوحًا، فالأمر لم يعد يحتمل الصمت والجلوس أمام مشهد الأحداث ذاهلين، فلو استمر بنا الحال هكذا، فلسوف نُركل بعد حين بالأقدام خارج المشهد بالكلية غيرَ مأسوف علينا. لم تكد تنتهى مظاهرات "الحساب" حتى بدأ الإعداد هذه الأيام لمظاهرات أخرى عنوانها "مصر مش عزبة"، فى سباق محموم يواكبه هجوم إعلامى عنيف على الإسلاميين وعلى الإخوان المسلمين وعلى مؤسسة الرئاسة، صاحبة أداء حزبى باهت ومُرتبك ومتسرع فى أزمة النائب العام وأداء أكثر ارتباكًا وغموضًا لمستشاري الرئيس، مما أضعف من موقف الرئاسة لأول مرة فى مواجهة المؤامرات والمخططات التى لم تتوقف فى سبيل تشويه رئيس الجمهورية وانتقاص قدره والترويج لكل ما يحط من شأنه ويستخف بإنجازاته إعلاميًا تمهيدًا لإسقاطه سريعًا بدون دَويٍّ ولا ردود فعل شعبية ساخطة تسعى لإعادته من جديد. هذا الرئيس الذكي السريع الاستباقي، يحتاج لفريق عمل فى سرعته واستشرافه للمستقبل وحسه السياسي، يحتاج لمستشارين يُجارونه فى حركته ونشاطه واستيعابهم للواقع ومتغيراته السريعة المتلاحقة، لكن ما خلُصنا إليه بعد متابعة لمجمل مشهد الصراع والتدافع على الساحة السياسية هو أن رئيس الجمهورية المنتخب بإرادة شعبية يبذل أقصى ما فى وسعه ويعطى كل طاقته وجهده، إلا أن أثر ذلك الجهد المضاعف لا يظهر ولا يُروج له بسبب قصور وخلل فى أداء فريق العمل والمعاونين وبسبب رُكون المستشارين للدعة والراحة، وبسبب عدم وضوح الرؤية كاملة لحزب كبير مثل حزب الحرية والعدالة الذى يُصر على تذكير الناس فى كل مناسبة أن الرئيس مرسى ينتمي للإخوان، وفى حين يُجاهد هو فى تقديم نفسه رئيسًا لكل المصريين وبسط شعبيته على طول الشارع السياسي المصري بكل ألوان طيفه، تخرج التصريحات الحزبية وتتوالى المواقف التى تعيق المسيرة وتضر أكثر مما تنفع، آخرها الأخطاء الشكلية التى حدثت بالاستاد عندما امتلأ بالإخوان وشباب الإخوان، مما جعل الجهد الرئاسي فى إلقاء خطاب تاريخي مطول أقل قيمة وتأثير مما لو أخذ الحدث بُعده الجماهيري الواسع بعيدًا عن الانتماءات الحزبية الضيقة. كذلك التحرك الحزبي المُتسرع الذي واكبَ قضية وأزمة النائب العام، فالذي اعتصمَ أمام دار القضاء هو حزب الحرية والعدالة والذي أطلق تصريحات التهديد للنائب العام هم رموز حزب الحرية والعدالة، مما أضعف كثيرًا الموقف الرئاسي، الذى لو كان واكبه تحرك شعبي واسع وضغوط جماهيرية فى طول البلاد وعرضها بعيدًا عن المواقف والتصريحات الحزبية لانتهت القضية فى ساعات قليلة، ولكان النائبُ العام ثالث ثلاثة، يحمل قلادته فى طريقه إلى بيته. هناك مُؤامرات لإسقاط الرئيس، لا أحد يُنكر وهناك إصرار مَرَضى من كثير من التيارات السياسية على الساحة لمواصلة الهدم وتكريس واقع الفوضى السياسية وإعاقة مسيرة الإسلاميين فى الحكم بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. لكن هذا لا يُخيفني ولا يُزعجني، بقدر ما يُخيفني ويزعجني هذا الأداء الحزبي البَاهت والمُرتبك في التعامل مع هذه التحديات، بالدخول فى معارك جانبية هامشية مفتعلة وبحركة بطيئة ورؤية سياسية قاصرة، وبالسعي لتحقيق مكاسب حزبية مُتوهمة، على حساب المصلحة العامة مما يعزز فرص تقويض جهود مرسى ومشروعه من قبل رموز ورجال أعمال النظام السابق، بالتعاون مع تيارات سياسية تمارس المعارضة من منطلق الأطماع والمغالبة والمكايدة والتقويض والهدم. ما أطلبه من حزب الحرية والعدالة أن يجتهد فى تحقيق نجاحات وحضور شعبي واسع اعتمادًا على طاقاته وحضوره وانجازاته فى الشارع، لا اتكاءًا على اسم الدكتور محمد مرسي، لأن هذا سيضر الطرفين معًا، وسيُلحق الضررَ بمصر أيضًا.