تولد الملكة ، الملكة ، تتصف منذ البداية بصفات الجمال والكمال الملكية تشبه كثيراً ملكة النحل ، ففي كل خلية تظهر عشرات من النحل الشغالة وهي نحلة منتجة مفيدة عاملة لكنه عادية وتبرز في وسطهم ملكة النحل ، ملكة واحدة فقط يدور حولها الجميع ، ومن أول وهله تبدو متميزة مختلفة ، جمال لفتاتها وحركاتها يخطف الأبصار ، تملأ خصوبة وحيوية وهي الوحيدة القادرة علي إمداد الخلية بالتجدد والاستمرار. ومن بين مئات النساء تظهر ملكة واحدة ، جمالها ليس ظاهرياً فقط بل له عمق وسحر خاص فإذا تكلمت فإن ذكاءها وشخصيتها الملكية تجذبك إلي عالمها البديع، عالم تميزه خصائص فريدة عن غيرها من النساء ، فبالرغم من أصالة أنوثتها إلا أنها تمتلك من الحكمة ورجاحة العقل ورزانة التصرفات ما يفقده الكثير من الرجال لا تهتم بما تهتم به غيرها من الرغبة في الاستعراض والاستحواذ وجمع المغانم وحصد جوائز النجاح الخارجي بل يتسع أفقها ليتجاوز تلك القشور وينفذ إلي الأعماق حيث تكمن المعاني الحقيقية الخالدة للحياة، وترتفع همتها لترقي في سلم الحاجات الإنسانية إلي قمته "حب المعرفة " ، تسعي دائماً للوصول إلي أجابه السؤال الأرقى لماذا أحيا؟ وما هي محصلة حياتي ؟ هنا تقفز إلي الذهن صورة " ملكة سبأ " كما وصفها القرآن الكريم في مشاهد متتالية تروي قصتها المعروفة مع النبي الكريم سليمان عليه السلام وفي الآيات من 22 إلي 44 من سورة النمل كانت تحكم مملكة سبأ وعندما جاءها كتاب من سليمان عليه السلام يدعوها وقومها إلي الإسلام ، جمعت قومها واستشارتهم فهي تؤمن بمبدأ الشورى الذي يقتضي إضافة عقول الناس إلي عقلها وعدم استبدادها بالرأي ( قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ولثقتهم المطلعة بحكمتها ورجاحة عقلها وضعوا قوتهم تحت أمرها وتركوا لها اتخاذ القرار. ( قالوا نحن أولوا قوة وبأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) لم تغتر بقوتهم ولم تستهوها لعبة الحرب التي تجر إلي الخراب المبين ( قالت أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) وهداها تفكيرها الأنثوي إلي حيلة لتجنب الحرب فقررت استمالة العدو بالهدايا فربما يكون هدفه هو الحصول علي مكاسب مادية ، فلتمنحه ما يشاء وتحوله إلي صديق وتجنب قومها ويلات الحرب، علي الأقل هذه المحاولة لا بد منها قبل أن تضطر إلي خوض غمار الحرب . ( وإني لمرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) فشلت محاولتها ورفضت الهدية وانتقلت بعرشها إلي سليمان عليه السلام وكان العرش يبدو مختلفاً بعض الشيء وكان اختباراً لذكائها وحكمتها : ( قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون . فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ) لم تفزع ولم تظهر دهشة أو جزعاً ، ظلت رابطة الجأش مسيطرة علي انفعالها وردت رداً دقيقاً ذكياً " كأنه هو " لم تؤكد ولم تنفي حتى تتضح الحقيقة أمامها. ( قيل أدخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال أنه صرح ممرد من قوارير ) دخلت الصرح الذي لا تعرفه بشجاعة واحتاطت لأمرها فرفعت ملابسها بعض الشيء لتتمكن من الخوض فيما يبدو لها ماءاً ولما تكشف لها الحق المبين أيقنت أنها أمام رسول الله رب العالمين لم تهتم بملك أو مال أو قوة تركتها وراءها في بلدها ولم تغتر بكل ما أوتيت من حظوظ الدنيا وزخرفتها بل سلمت بالحق الذي استيقنته نفسها وسجدت لخالق السماوات والأرض ( قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت لله رب العالمين ) وربما تغتر المرأة بما أوتيت من مال وجمال أو منصب علمي حقيقي بذكائها وطموحها أو حسب ونسب لانتسابها لأسرة عريقة فتعتقد أن كل تلك الصفات هي صفاتها الأًصلية التي تمتلكها ولكن الحقيقية أنها كلها صفات زائلة لا تلبث إلا قليلاً وتذهب أدراج الرياح أما الحقيقة الثابتة والتي يتساوى الجميع في فرصة امتلاكها ويتم التفاضل بينهم علي أساسها فهي فرصة الإيمان والتقوى والعمل الصالح، أما غير ذلك من الصفات فهي من نعم الله علي خلقه التي تستحق الحمد والشكر ولكنها وحدها لا تكفي بغير الحقيقة الثابتة التي تستند إليها كل الصفات العارضة فتجعلها أقوي وأكثر بركة وتهب صاحبها خيرها وتقيه شرها. [email protected]