سنحتاج لوقت طويل حتى نتخلص من آثار العهد المجرم البائد، ومن تبعات النظام التسلطى السابق. لا أقصد هنا نظام مبارك ولا نظام حكم العسكر فقط، ولكن أعنى كل الأنظمة التى تعاقبت على حكم مصر – وحتى البلاد المجاورة - والتى اتسمت بالظلم والقهر، واشتهرت عند عموم الناس باستنزافها للثروات، واحتقارها للشعب، وانفرادها الكامل بالسلطة. الأجيال التى عاشت فى ظل هذه الأنظمة ارتبط لفظ السلطة فى وعيها بالوثوب على كرسى الحكم، والتشبث به لأطول فترة، واستغلال المنصب لأغراض شخصية ضيقة، والسطو على ثروات الشعب ومقدرات الوطن، مما يجعل السلطة عند طالبيها مغنماً كبيراً يستحق الصراع والقتال، ويجعل كل من ارتبط اسمه بالسلطة عندنا محل شك واتهام، ويجعل من السعى لها فى نظرنا عملاً مشيناً يطعن فى الوطنية وينسف دعاوى التقدم والإصلاح. هذه النظرة لم تتكون من فراغ، ولكنها نتاج عقود عديدة وسنين طويلة من الأمثلة الرديئة لأنظمة الحكم فى البلاد العربية والإسلامية والتى قدمت نماذج السلطة على هذا النحو، حتى صارت البطولة كلها أن تنتقد الحاكم، وأن تسعى لإسقاطه، وأن تبين معايبه وسوءاته. وكل ذلك فى وقته كان محل تقدير وإعجاب، نظرا لفساد الحكام وظلمهم. كما أن الدعوات إلى التزام القانون، والحث على طاعة ولى الأمر صارت مثارا السخرية والتندر، وسببا فى اتهام أصحابها بالخوف والجبن والتخاذل. لما سقطت الأنظمة الفاسدة، وبدأت أنظمة أخرى تتشكل على أساس من الديمقراطية والعدل، ما زال البعض يردد ذات الكلمات التى تنتقد الرئيس أو الحاكم بمناسبة وبدون مناسبة، فقط لأنه الرئيس، وهو عندهم الشخص الذى يجب توجيه الاتهامات له حسب ما تعودوا. وفى عقلهم الباطن أنه مظنة الفساد والسيطرة والتسلط. كما ظل نفس الفريق يسخر من الأصوات العاقلة التى تنادى بالوقوف خلف الحاكم وطاعته، ويعتبرها - كما كان يفعل فى السابق - أسبابا مباشرة لصنع الفرعون، والتمكين للديكتاتور. خيال هؤلاء لم يتوصل بعد لفكرة الحاكم الصالح. تعاقب أنظمة الحكم الفاسدة أوصلتهم لحالة يائسة أصبح معها الاقتناع بأن رئيسا يمكن أن يأتى ليحكم ويصلح ضربا من الخيال. فلما تحقق هذا بالفعل أصبح مفهوم دعم الرئيس واحترامه وطاعته بحاجة لترسيخ وتفعيل يقضى على الرواسب والخلفيات المتعلقة بالماضى المؤسف والكئيب. نجاح الدكتور مرسى فى الوصول للرئاسة يجب أن يصاحبه نجاحات أخرى فى مجال تعميق ثقافة احترام القائد ودعمه والولاء له، تبدو هذه الكلمات مستفزة للكثيرين، ولكنها طبيعية فى ظل نظام جديد قائم على الديمقراطية والمؤسسية، وتداول السلطة والفصل بين السلطات، حيث إن الرئيس استحق المنصب بانتخابات نزيهة، وبالدولة مؤسسات تحاسب الرئيس وتراقبه، والآن يجرى إعداد دستور يضمن عدم الانفراد بالسلطة من جانبه أو جوره على السلطات الأخرى. يتبقى إذن الدعم الشعبى للمنصب الخطير، ليس لشخص الرئيس ولكن احتراما للعملية الديمقراطية، وإظهارا لتماسك المجتمع، وسعيا لإنجاح التجربة الأولى فى مصر والعالم العربى. لسنا بصدد إنتاج فرعون جديد، ولكننا فى سبيلنا إلى تفويت الفرصة على المتربصين بالوطن فى الداخل والخارج، والذين يتخذون من حجة حرية التعبير مبررا للتطاول والهدم والتشويش. هؤلاء لا يعنيهم الحرية ولا الإبداع بقدر ما يهمهم إفشال الجهود وتعطيل المسيرة، ولكننا لهم بالمرصاد. [email protected]