حجاب وإعجاب وفرط تصلُّفِ ومدُّ يدٍ نحو العلا بتكلُّفِ ولو كان هذا من سبيل كفايةٍ عذرنا ولكن من سبيل التخلُّفِ كتب هذه الأبيات شاعر عربي قديم يدعى ابن أبي الشخباء، وكان يقصد بها أولئك القوم الذين يتكبرون على الآخرين ويعتقدون في أنفسهم أنهم أهلٌ لأن ينحني لهم الناس وهم في حقيقتهم متخلفون، وليس لديهم من المواهب إلا أقل القليل، وعلى الرغم من ذلك يتعاظمون ويعتقدون أنهم لم تلد مثلهم والدة، ولم يحمل في صلبه مثلهم رجل. ثار مؤخرا لغطٌ حول حجاب بعض الفنانات لدرجة جعلت بعض أصحاب المهنة من أهل الفن ونقاده يثورون ويهيجون ويعتبرون ذلك نوعا من المؤامرات التي تحاك ضد مصر وشعبها، وتكبروا وترفعوا على السينما الإيرانية التي أبدت إحدى الفنانات المصريات المحجبات رأيا إيجابيا نحوها. فالحجاب بطبيعة الحال في نظر المسلمين المتدينين فرض رباني من الله أمر به المسلمات، وفي نظر العالمانيين المحترمين الذين يؤمنون بقيم الحرية هو اختيار شخصي لابد أن يُحترم في ظل مجتمع متنوع الأفكار والاتجاهات. لكن ما يدعو للاشمئزاز تلك الثورة الحمقاء التي تولى كبرها بعض السفهاء ضد حجاب فنانة من الفنانات، والتي لا أراها إلا نوعا من أنواع الحقد والكراهية لكل ما هو إسلامي أو يعبر بصدق عن حقيقة المجتمع المصري الذي نحيا فيه، فأغلب النساء المصريات محجبات ومحتشمات ومحترمات حتى المتبرجات منهن لديهن من التدين الحقيقي الكثير مما لا نجده لدى مجتمعات أخرى تتسم بالمظاهر الإسلامية الشكلية دون الالتفات إلى جوهر الدين في شقه الثاني وهو المعاملات. الحجاب لا يعفي صاحبته من الالتزام الحقيقي بجوهر الإسلام في عباداته ومعاملاته، والمتدينة أو المحترمة السافرة لا يشفع لها احترامها ولا صلاتها وصيامها من أن تلتزم بما أمر الله به من ستر. وأما فيما يتعلق بالمتباكين على السينما المصرية وتدميرها على يد المحجبات، فليس لهؤلاء عندي إلا أبيات ابن أبي الشخباء السابقة، فهم يرتعون في تخلف وسفاهة وتفاهة وانحطاط فني لم يحصلوا من ورائه إلا على سينما لا تعبر عن واقعنا أو قضايانا بشكل صادق، ولا تمتلك من أدوات السينما وتقنياتها ما يجعلها تصمد أمام مخرجة إيرانية صغيرة السن فازت بجوائز عالمية، وأقصد تحديدا المخرجة "سميرة مخملباف"، فالسينما الإيرانية بشهادة النقاد الأوربيين قدمت مذاقا متميزا للسينما الإنسانية التي ترتقي بمشاعر الإنسان وتناقش قضاياه بمصداقية وفنية عالية. فما هذه الثورة العارمة من هؤلاء الأدعياء على حجاب فنانة؟ إنني أرى ردة فعلهم من موروثات ورثناها عن آبائنا الفراعين الأولين تتعلق بالتكبر والتعالي على خلق الله بسبب وبدون سبب، فمنطق الألوهية والرأي الأوحد هو المسيطر، والدعاوى البالية التي لا تكف عن الصياح: "حضارة 7 آلاف سنة"، وأن التاريخ بدأ من عندنا، وأننا علمنا الدنيا كل شيء، وأننا مركز العالم بل الكون، وأن بلدنا هي أم الدنيا، وغير ذلك من منجزات نتشدق بها فقط دون التقدم خطوة حقيقية للأمام. اللهم إلا أننا في عصرنا الحاضر قد "دهنا الهوا دوكو" ، و"خرمنا التعريفة". مثل هؤلاء لا يجدون ما يعلقون عليه فشلهم إلا الأسباب الخارجية التي لا تجعلهم يحملون قدرا حقيقيا من المسئولية في تردي صنعتهم التي من أجلها ينافحون وفي سبيلها يجاهدون! ما هؤلاء إلا غثاء السيل، قفزوا واعتلوا المنابر حين تسلط القهر وعم الظلم، واستخدمتهم فئات معينة لخدمة مصالح محددة – عن وعي وإدراك منهم أو غفلة وغباء- فلم نر فيهم روائيا حقيقيا يضارع "إحسان" أو "محفوظ" أو قلة قليلة تعد على الأصابع من الكتاب والأدباء العظام، ولم نر فيهم مخرجا مبدعا بعد أن رحل عباقرة المخرجين. إنهم يثورون ضد رأي إيجابي في السينما الإيرانية بدعاوى الحفاظ على الإرث السينمائي المصري وأكثرهم يغرقون لآخرهم في اقتفاء أثر السينما الأمريكية يقلدون ويسرقون ولا يحاسبهم محاسب أو ينتقدهم ناقد. هؤلاء لم يفلحوا إلا في تقديم المرأة المصرية بصورة شائهة بدعوى الواقعية وهم أبعد الناس عنها، فليست النساء المصريات راقصات وبنات ليل أو خائنات أو تافهات كما يروجون، وليس رجال مصر في أكثر أوقاتهم يتاجرون في المخدرات أو غير ذلك. لقد شوهوا صورة المجتمع المصري وابتعدوا عن قضاياه الحقيقية وإذا عالجوا أمرا جادا عالجوه بسطحية وسذاجة تشمت فينا الأعداء، ولا أنسى ما رددته الصحف منذ سنين عن سخرية إسرائيل من سذاجة بعض الأفلام المصرية التي تتعلق بالجاسوسية. ربما كانت هناك قيود على السينما الإيرانية فيما يتعلق بإظهار المرأة لأجزاء من جسدها، وربما كان فرض الرقابة للبس "الشادور" من الأمور المعوقة نوعا ما لكي تقوم الممثلات بأداء الأدوار السينمائية بنوع من الواقعية، لكن على الرغم من ذلك فقد فازت السينما الإيرانية بالكثير من الجوائز الدولية، وهو ما ألمح إليه المخرج الدكتور أسامة القفاش في إحدى مقالاته حيث ذكر أن المخرجة الإيرانية الشابة "سميرة مخلمباف" فازت "بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في أعرق وأهم مهرجانات السينما في العالم، مهرجان "كان" الفرنسي، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تفوز فيها سميرة في كان، ولم تكن تلك المرة الأولى أيضا في تاريخ السينما الإيرانية فقد تكرر فوز هذه السينما ب"سعفات ذهبية" (جائزة مهرجان كان) و"دببة من أصناف مختلفة" (جائزة مهرجان برلين) و"أسود متنوعة" (جائزة مهرجان فينيسيا).. ناهيك عن الفوز في القاهرة وموسكو وغيرها من المهرجانات السينمائية". فأين السينما المصرية وأين جوائزها وقد اعتمدت العري منهجا والإسفاف سبيلا تقربا إلى الغرب وتعبدا إلى الأمريكان، وهدما للقيم الاجتماعية المصرية الأصيلة؟!. تحت الهامش: زعمت الحرافيش أن ثلاثة أفراد اجتمعوا وأخذ كل منهم يعرف نفسه وبلده، فقال الأول: اسمي جاك من فرنسا، إنها البلد الذي به برج إيفل. وقال الثاني، وأنا "وان" من الصين، إنها البلد الذي به سور الصين، وقال الأخير: وأنا محمدين، من مصر، إنها البلد الذي به الراقصة فلانة! --- شاعر مصري [email protected]