كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن برنامج المائة يوم، ما تحقق منه وما لم يتحقق، وكأن تقييم الرئيس مرسى وتجربته الرئاسية إنما تتوقف فقط على تقييم برنامج المائة يوم، الخصوم السياسيون الطامعون فى منصبه يعدون الأيام المتبقية على أصابعهم، وأعوانهم من الإعلاميين يرفعون أسنة الأقلام تأهبًا للطعن فى مقتل، لكن حقيقة الأمر على خلاف ذلك تمامًا، فالتجربة ليست تجربة الرئيس وحده ولكنها تجربة الوطن كله، بكل طوائفه السياسية وبكل فئات الشعب، لقد وضع الرئيس خطة الإصلاح السريع فى الاتجاهات الخمسة المعلنة، وقدر لتنفيذها مائة يوم تقريبًا، ولكن هذه المدة المقدرة نظريًا على الورق تفترض ثبات العوامل المحيطة بظروف التنفيذ على حالها الطبيعى، فإذا واجه التنفيذ ظروفًا غير مألوفة وغير معتادة، فإن حساب المدة يجب أن يتوقف حتى تعود الظروف إلى حالها الطبيعى فيبدأ العد التنازلى من جديد، فإذا كان المعلوم للجميع أن الرئيس مرسى حين تسلم مهمته الرئاسية واجه صراعًا تاريخيًا على السلطة مع المجلس العسكرى كانت فيه مؤسسات الدولة فى وادٍ ومؤسسة الرئاسة فى وادٍ آخر بحيث لم ينحسم الصراع ويستقر الأمر للرئيس إلا منذ أسابيع قليلة ومن ثم فليس من العدل أن نحاسب الرئيس على المائة يوم إلا من بعد الأسبوع الأخير من رمضان فقط. ومن جهة أخرى فإن رئيس الجمهورية منوط به اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، أما تنفيذ القرار فإنه يرجع إلى مدى جدية الحكومة فى التنفيذ، ومدى تشجيع القوى السياسية الأخرى لهذا التنفيذ أو تعويقها له، ولعلنا نلاحظ أن الرئيس بمجرد أن استقر له الأمر، وبمجرد تشكيل أول وزارة فى عهده، فقد بادر إلى تكليفها بتنفيذ خطة المائة يوم التى وعد بها شعبه، وبالتالى فأنا لا أستطيع أن أتهمه بالنكول عن وعوده التى قطعها على نفسه، ولعلنا نلاحظ أيضًا أن الوزارة تبذل جهودًا ملموسة فى سبيل تنفيذ الخطة فى شتى المحاور، غير أنها حققت قدرًا ملحوظًا من النجاح فى بعض المحاور مثل إعادة الأمن، عكس بعض المحاور الأخرى التى لم تحظ بنفس القدر من النجاح مثل النظافة، ولعل الفارق بين الحالتين يكمن فى أن الأمن يعتمد على جهود وزارة الداخلية وحدها دون حاجة إلى تدخل غيرها معها، أما النظافة فهى سلوك شعب قبل أن تكون جهود حكومة، فنحن لا نستطيع أن ننكر أن الحكومة قد كلفت خاطرها وبادرت إلى التعاقد السريع مع أعداد كبيرة من المقاولين لسرعة رفع المخلفات والأتربة المتراكمة فى الطرقات نتيجة الإهمال الطويل طوال الفترة الانتقالية، ويعجبنى فى ذلك أن الحكومة لم تعتمد على الأجهزة الرسمية المكلفة بملف النظافة وحدها، ربما لعلمها أن آليات العمل بهذه الأجهزة فى حاجة إلى تطوير شامل، غير أن الذى يدهشك حقًا أنه كلما تم تنظيف مربع معين إذ به فى اليوم التالى يعود أسوأ مما كان، وكأن يدًا خفية معارضة تتعمد إفشال الحملة التى دعت إليها الدولة تحت اسم "وطن نظيف"، وأنا أعطى للمعارضة كل الحق فى أن تقاوم تنفيذ أى قرار لا يعجبها، بشرط أن تعلن أنها ضد هذا القرار لأسباب تراها، كما هو الحال فى مسألة الجمعية التأسيسية للدستور، فالمعارضة تتمنى هدم المعبد على رءوس أصحابه، ومهما كنا ضد هذا التوجه إلا أننا لا نستطيع أن ننكر حقهم فى المعارضة، أما مثار الدهشة من موقف قوى المعارضة فى تعويق خطة المائة يوم، هو أن أهدافها كلها أهداف وطنية ليست محلاً للخلاف، فنظافة الوطن مثلاً هى هدف نبيل لا تملك المعارضة أن تخالف الحكومة فيه، وتراهم مع ذلك ينفقون الجهد والمال من طرف خفى فى سبيل إعادة القمامة إلى مكانها، ثم بعد ذلك يحاسبون الحكومة والرئيس على التأخر فى تنفيذ الخطة، وكان الأولى أن يحاسبوا أنفسهم على الأداء الركيك والأنانى. أن المعارضة لا تعنى الخلاف على طول الخط ، فهناك أهداف قومية يجب أن يلتف الجميع حولها، وإنما ينحصر الخلاف فيما يجوز الخلاف عليه، أدعو المعارضة إلى التزام المصلحة الوطنية وتنحية المصالح الشخصية، وأدعو الحكومة إلى عدم التوقف والاستمرار مائة يوم ثانية وثالثة حتى تتحقق كل الأهداف. [email protected]