جمال سلطان في إفطار الإخوان المسلمين السنوي أمس تكلم الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق ، وقال كلاما كثيرا فيه روح طيبة ومجاملة ، ولكنها صادقة أيضا ، وكان مما لفت انتباهي فيما قاله أن الجبهة الوطنية التي تم تشكيلها لو كانت قد فشلت في ضم الإخوان المسلمين إليها لكان من الصعب أن نطلق عليها جبهة وطنية مصرية ، كلام عزيز صدقي يلخص لنا صورة المشهد السياسي المصري الآن ، الإخوان المسلمون يمثلون القوة السياسية الأهم في الخريطة الحزبية أو السياسية القائمة ، ومع ذلك هم مهمشون سياسيا ومنفيون قانونيا ، ويكون مدهشا أن تجد مسألة دخولهم إلى الجبهة الوطنية تحتاج إلى إقناع بعض الأحزاب الصغيرة وأخذ موافقتها بعد طول تمنع ، هذا مثير جدا ، لكن الأزمة للأمانة متعددة الأطراف ، فالمشكلة أن الإخوان المسلمين لا تمثل حزبا سياسيا فقط ، وإنما تمثل كيانا اقتصاديا ومؤسسة خيرية وجمعية دينية أيضا ، وهذا ما يمثل هاجسا وإرباكا لدى كثير من القوى السياسية ولدى السلطة أيضا ، والأمر أصبح في حاجة إلى تفكير جديد وحل لهذه المعضلة ، وأظن أن الحل يمكن أن يأتي من خلال ميلاد كيانين من داخل الجماعة ، ينظمهما القانون ويدمجان في بنية الدولة ومؤسساتها ، كيان سياسي يتمثل في حزب سياسي لا شأن له بالنشاط الديني المباشر ومنابر المساجد والعمل الخيري والاقتصادي وغيره ، وكيان ديني اجتماعي لا شأن له بالعمل السياسي ، وإنما يركز جهده في تربية الناشئة وتعزيز القيم الأصيلة والدفاع عن مقدسات الأمة وثوابت الدين ، كأي جمعية خيرية اجتماعية أخرى ، ولا أظن أن الفكر القانوني في مصر يعجز عن تنظيم هذه المشكلة وضبط أبعادها ، ووفق هذه الرؤية يمكن دمج الحركة الإسلامية في العمل السياسي وفق قواعده الحزبية والقانونية والدستورية ، وأظن أن مثل هذه النقلة لو تحققت لأدخلت مصر ، ومن بعدها دول عربية أخرى عديدة ، مرحلة ما بعد الجماعات الإسلامية ، والشباب الإسلامي والناشطون الإسلاميون عندما يرون جدية هذه القنوات الجديد وثمراتها على صعيد الوطن والحرية والكرامة والتعددية وسيادة القانون والعدالة ، فإن من المقطوع به أن يتم تفكيك الكثير من البنى والرؤى المستقرة في أذهانهم حول آليات العمل الشعبي والسياسي المستقرة منذ عشرينيات القرن الماضي ، لأن القوالب التي نشأ فيها التيار الإسلامي من بعد سقوط دولة الخلافة ليست مقدسات وليست من أصول الدين ولا أركانه ، وإنما كان صيغة أولية متاحة وممكنة ولم تسمح لهم تطورات الحياة السياسية من بعد ذلك ببدائل حقيقية ومضمونة لها، وهذه هي الظروف التاريخية التي ظهرت فيها الإخوان المسلمون وأنصار السنة والشبان المسلمون والجمعية الشرعية وغيرها وكلهم ظهروا في وقت واحد تقريبا ، إن هناك قوى إسلامية أخرى جديدة غير الإخوان لها نفس الهم ونفس الهاجس ، وتمثل للدولة والقوى السياسية الأخرى نفس المعضلة ، مثل حزب الوسط على سبيل المثال ، والأمر المحير للغاية أن حزب الوسط لا تنبني قواعده على بنية تنظيمية تقليدية كجماعة دينية ، وإنما هو يمثل تلاقي رؤى وأفكار سياسية وحضارية لنخبة من أطراف متعددة تمثل ما يمكن تسميته بالليبرالية الإسلامية ، فما هو المبرر لرفض الحزب أكثر من مرة من قبل الدولة ، هذا غير مفهوم أبدا ، وبشكل عام فإن الانتخابات المقبلة وما تسفر عنه من توازنات قوى جديدة وجادة في مؤسسة التشريع الأولى ، أظن أنها ستكون مفتاح التغيير الجاد والحقيقي في الحياة السياسية المصرية ، وأستشعر أن المرحلة المقبلة سوف تشهد ميلاد مرحلة ما بعد الجماعات الإسلامية ، خاصة وأن هناك أجيالا جديدة في كل التيارات أصبحت أكثر اندماجا مع الفكر المؤسسي الجديد في الحياة السياسية والنشاط الأهلي وحتى الديني . [email protected]