ترى ما الذى دفع بصورة هذا الرجل إلى بؤرة تفكيرى بهذا الشكل؟.. وما الذى جعل قصته تتداعى أمام ناظرى كفيلم درامى ينجح «الأشرار» فى التخلص من بطله الأسطورى الذى أيقظ الشعب من سباته ونجح فى إنقاذه من الهلاك، قبل أن يتآمر الأشرار مع الفاسدين ليضعوا نهاية تراجيدية لأسطورة الرجل الذى أزعج الكثيرين.. وحطم أصنام الشر، وكان خطؤه القاتل أنه نسى أن يصوب سهامه إلى صانع الأصنام نفسه!. إنه سيادة اللواء المحترم أحمد رشدى، وزير داخلية مصر فى بداية عهد حسنى مبارك (17 يوليو 1984 إلى مارس 1986). لن أنسى أبدًا هذا اليوم من بداية شتاء عام 1984، عندما كنت عائدًا من مبنى «روز اليوسف» بشارع قصر العينى، متوجهًا إلى مبنى وكالة أنباء الشرق الأوسط بشارع هدى شعراوى، وأثناء عبور ميدان طلعت حرب من أمام جروبى متوجهًا ل«فرشة» الحاج محمد مدبولى للتزود بالزاد اليومى، وجدت من يضع يده على كتفى بهدوء قائلا بلهجة حاسمة: «خلاص مفيش عبور «عشوائى».. العبور من عند خطوط عبور المشاة إللى هناك دا، أو هتدفع غرامة فورية 2 جنيه».. رفعت عينى للمتحدث فوجدته«لواء».. أى والله ضابط شرطة برتبة لواء يقف فى الشارع نهارًا ليوجه المشاة إلى أماكن عبورهم، وبالمناسبة كانت أول وآخر مرة أسمع تعبير «العبور العشوائى» قبل أن تنتشر العشوائية» لتغلف جميع مناحى حياتنا. المهم.. انتبهت وقتها إلى أن الميدان أصبح به فجأة خطوط بيضاء لامعة، سهر العمال لتلوينها ربما طوال الليل، وكانت تلك بداية احتكاكى باسم «اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية».. وأعتقد أنه وزير الداخلية الوحيد الذى حظى بحب واحترام شعب مصر، والوحيد الذى كسر قاعدة كراهية المصريين لوزير داخليتهم، بل حظى اللواء رشدى بشعبية جارفة، لما عرف عنه من صرامة فى الحق حتى على رجاله، ومع ذلك احترم الضباط وقتها عسكرية الرجل «الناشفة»، وأحبه العقلاء.. المحترمون.. وبغضه أشد البغض المتربحون الذين أغلق فى وجوههم أبواب الرزق الحرام. فى خلال ال 21 شهرًا التى تولى خلالها رشدى الوزارة كان «المصريون» يعبرون الشارع من أماكن عبور المشاة، وكان قادة السيارات يتوقفون عند الإشارة الحمراء (تصوروا.. والله حدث ذلك).. ولكن مَن كان يحاول العبور من غير الأماكن المخصصة للمشاة كان يجد «أمين شرطة» قد خرج من تحت الأرض جاريًا.. لاهثاً خلفه وفى يده دفتر أبيض صغير يقطع منه ورقة المخالفة ويأخذ الجنيهين فورًا.. أما قائد السيارة الذى يتجاوز الخط العرضى أمام الإشارة الحمراء فيجد «أمين الشرطة» واقفًا أمام السيارة ليرجعه خلف الخط.. ماذا وإلا!!.. والغريب أننا «انضبطنا» وفرحنا بالانضباط وقتها. فى زمن «أحمد رشدى» توقف قادة السيارات عن «تطويح» الزبالة خارج نوافذ سياراتهم لتستقر متبعثرة فى عرض الطريق. فى زمن «أحمد رشدى» تم القضاء على كبار تجار المخدرات، والحد من دخولها إلى مصر، وارتفع سعر «قرش» الحشيش، و«شح» من السوق، وكانت معركة «الباطنية» ضربة قاضية للتجارة المحرمة. - فى زمن أحمد رشدى خرج «الباشاوات» من مكاتبهم المكيفة ونزلوا الشارع من اللواء إلى الملازم.. وشهدت العلاقة بين «الباشاوات» ورجل الشارع تطورًا إيجابيًا مبنيًا على الحزم.. والانضباط.. والاحترام.. وانتهى الأمر ب«أسطورة» أحمد رشدى بأن تكالب عليه أصحاب المصالح، وتجار المخدرات، وبعض الضباط الفاسدين الذين تضرروا.. وكانت أحداث «الأمن المركزى» التى انتهت باستقالة الرجل – واعتزاله، وفرح تجار المخدرات.. وأغرقوا السوق بالحشيش ماركة «باى.. باى.. رشدى»! كم نحن بحاجة لأمثال «أحمد رشدى» الآن فى الداخلية.. وكل مواقع المسئولية فى مصر المحروسة. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66