كونفوشيوس هو أول فيلسوف صينى يفلح فى إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعى والأخلاقى، ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية، وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقى أعلى، وفى تعاليمه وفلسفته تأثر بعمق الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية، ويلقب بنبى الصين. ولد كونفوشيوس فى شمال شرقى الصين فى مثل هذا اليوم عام 551 ق. م، فى أسرة متوسطة رغم ما امتازت به من عراقة، مات أبوه عندما كان عمره 3 سنوات، ولم يترك لهم ثروة ينفقون منها مما اضطر أمه للعمل للإنفاق عليه، واشتهر فى صغره بالقيام بالطقوس الشعائرية على سبيل التعب، وتزوج وهو فى ال 19 من عمره، وأنجب من زوجته ولدًا، واختلفت المصادر حول السن الذى هجر فيه بيته وتجول فى أنحاء الصين، بيد أنهم لم يختلفوا حول حقيقة هجره لابنه وزوجته، وقام بتعلم الموسيقى والتى كانت حديثة العهد فى ذلك الوقت، وتعلم الشعائر الدينية وقام من خلال تجاربه بوضع منهج أخلاقى بحت يعتمد على الموسيقى والمبادئ المثلى.. وكان رجلاً عظيمًا.. وصف نفسه بأنه مجرد ناقل وليس مبدعًا، ووردت بمأثورات كونفوشيوس عبارات يتحدث فيها عن السماء, وآمن بأن السماء لن تخذله، بل إنه قسم الناس بالنسبة للمعرفة إلى أربع درجات فقال عن صاحب الدرجة الأولى: رجل وهبته السماء المعرفة وأوتى الإلهام وهى من أعلى الدرجات. صار منزله منتدى طلاب العلم ومقصده، وأخذ مذهبه يتكون وآراؤه تتجمع ويبديها لا فى كتب يؤلفها ولكن فى شبيبة ينشئها، فأخذ يبث تعاليمه فيها حتى كان له منهم أصحاب يشبهون حوارى النبيين يؤمنون بفكرته والذود عن دعوته والإخلاص لنحلته. أخذ كونفوشيوس يطوف البلاد داعيًا مرشدًا ومسترشدًا، وكان فى كثير من الأحيان يخص بإرشاده الحكام معتقدًا أن صلاح الراعى يستلزم صلاح الرعية، وأن حسن قوامته على الناس يتبعه صلاحهم، ولأنه يرى أن السياسة الحكيمة فى تهذيب الرعية حتى تقوم المحبة بين الناس مقام القانون. اعتاد كونفوشيوس منذ أن بدأ دعوته على الطواف فى الأقاليم الصينية لا يقيم فى بلد إلا على نية الخروج منه، وكلما حل على أمير مقاطعة دعاه إلى السلوك الفاضل، فلم يجب أحد منهم دعاءه وإن أكرم وفادته حتى برم بهم، ولم يكن له عزاء إلا تكاثر تلاميذه الذين اعتنقوا آراءه حتى بلغوا ثلاثة آلاف أو يزيدون، وكلهم قد أشرب روحه ومازجت آراؤه نفسه وخالطت منها المهجة والفؤاد، وقد عاد بعد الرحلة الطويلة إلى مقاطعته (لو)، فأكرم أميرها وفادته ولكنه لم يطعه كسائر الأمراء، فعكف الحكيم على مدارسة أصدقائه. ومات كونفوشيوس بعد أن ترك من تلاميذه الذين أخذوا على عاتقهم بث دعوته فى الأقاليم الصينية ثلاثة آلاف، وكلهم تعاون فى نشر مذهبه الخلقى فى البلاد حتى صار بعد ذلك مذهبًا رسميًا لتلك البلاد المترامية الأطراف، واستمر كذلك من آخر القرن الثانى قبل الميلاد إلى وقتنا الحالى. تضفى الروايات الصينية القديمة هالة من التقديس على شخصية كونفوشيوس، حتى يكاد ينسب إليه تأليف جميع ما أنتجه الفكر الصينى فى جميع عصوره, ويروى أنه لما مات كونفوشيوس أقاموا له الهياكل وعبدوه على سنتهم فى عبادة أرواح الأسلاف الصالحين, وأوشكت أى حكومة على عهد أسرة (هان) فى القرن الثانى قبل الميلاد أن يتخذوا عبادته عبادة رسمية, وأوجبوا تقديم القرابين والضحايا لذكراه فى المدارس ومعاهد التعليم, ولم تزل عبادته قائمة إلى أوائل القرن العشرين، فخصوه فى سنة 1906 بمراسم الإله الأكبر شانج تى) إله السماء).