أعلن وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف أن العالم العربي يشهد تغيرات جذرية وتحولات مؤلمة وموجعة ، وأن تبعاتها ستستمر لوقت طويل في السياق الإقليمي والعالمي. وقال لافروف - في خطابه بجلسة مجلس الأمن الدولي المكرسة لموضوع "السلام والأمن في الشرق الأوسط" - "إن عمليات التحول هذه تعود لسعي الشعوب وتطلعها نحو حياة أفضل وتحقيق العدل ورغبتها في ممارسة حقوقها السياسية والتمتع بحريتها . إن هذه التطلعات قريبة لنا ونعيها جيدا، إذ تتناغم مع فلسفة السياسة الروسية الخارجية التي تنطلق من أنه ينبغي على جميع الشعوب أن تقرر مصيرها بنفسها". وشدد لافروف على أن ما يحدث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يؤكد مرة آخرى ضرورة احترام المبادىء الأساسية لميثاق الأممالمتحدة وعلى رأسها سيادة ووحدة وسلامة أراضي الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة .. مشيرا إلى أن الطريق إلى الحل الأمثل للمشكلات يمر عبر الحوار الموسع والتوصل للمصالحة الوطنية". وأضاف "لقد تراكمت اليوم على الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط كمية كبيرة من المشاكل على نحو لم يسبق من قبل، غير أننا مازلنا لا نرى نجاحات ملحوظة في تذليلها". وأكد لافروف ضرورة العبور بالتحولات السياسية التي بدأت حتى خط النهاية، مع الأخذ بعين الإعتبار آراء كافة طبقات المجتمع حتى تستثني أية هزات انتكاسية.ولكن من الواضح أيضا أنه دون تحديث الإقتصاد سيكون من المشكوك فيه الوصول للمرحلة التي تشعر معها الشعوب العربية أن هذه التغيرات جاءت بالأفضل وبحيث تتكون لديها مناعة ضد الأمزجة المتطرفة السلبية. ولفت إلى أن أحد الموارد التي تغذي هذا الطريق هو التصرف المسئول والهادف للمجتمع الدولي . فمن الأهمية بمكان أن يساعد اللاعبون الخارجيون على تعزيز وتدعيم العمليات الإيجابية في العالم العربي. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "إن التعاون مع الدول الأعضاء بالجامعة العربية يدخل ضمن الأولويات الإستراتيجية للسياسة الخارجية لروسيا الاتحادية". وأضاف "لم تكن لبلادنا قط مطامع استعمارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولم تخض أبدا حروبا للاستحواذ على الموارد هناك، كما أنها لم تفرض شكلا معينا للخارطة السياسية للمنطقة. لقد كان تواجدنا منذ البداية موجها لدعم التعارف بين الشعوب ودعم تعايش الثقافات والطوائف المختلفة، وهو ما يطلق عليه، بوجه عام، حاليا حوار الحضارات". وتابع "إننا اليوم نقوم معتمدين على خبرتنا الطويلة في علاقات الصداقة والشراكة التي ربطت بلدنا مع دول العالم العربي، نقوم بتطوير الحوار المبني على المساواة والإحترام المتبادل حول كافة قضايا المنطقة . كما أننا نتوافق على أشكال جديدة للتعاون . فقد أنشأنا منتدى الحوار العربي الروسي للتعاون الذي من المقرر أن يتم في إطاره تنفيذ مشروعات في المجالات التجارية والإقتصادية والثقافية والإنسانية، كما يعمل لدينا مجلس أعمال عربي - روسي". وأردف "إن الجامعة العربية مدعوة للعب دور هام في التصدي للتحديات التي يواجهها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أن ترسانتها تحوي معرفة دقيقة ومفصلة للطبيعة النفسية والعادات والخبرة التاريخية القومية ولديها القدرة على صياغة مهام موحدة ومشتركة للمنطقة". وأشار إلى أن فاعلية نشاط الجامعة ستزداد إذا ما قامت ببناء كل خطواتها للتصرف حيال الأزمات انطلاقا من أولوية الحوار والوساطة وجهود صنع السلام، وهو ما يطلبه وينص عليه ميثاق الأممالمتحدة . إننا نرى بوجه عام أنه من المهم بمكان تقديم الدعم بجميع أشكاله لتنسيق جهود الجامعة العربية مع الأممالمتحدة. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "إن لدينا موقفا موحدا مع أعضاء الجامعة العربية هو أنه على الرغم من كل التطورات الدراماتيكية "للربيع العربي"، إلا أنها لا يجب أن تثنينا عن البحث عن سبل تسوية القضايا العالقة بالشرق الأوسط. وأضاف "تأتي على رأس هذه القضايا مسألة الوصول إلى تسوية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي انطلاقا من القاعدة القانونية الدولية الموجودة التي تتضمن أيضا مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية المنعقدة ببيروت في مارس 2002 والتي حصلت على تأييد مجلس الأمن الدولي". وشدد لافروف على أن روسيا تدعو بإلحاح إلى تفعيل جهود "رباعية" الوسطاء الدوليين حول الشرق الأوسط وبالتعاون الوثيق مع الجامعة العربية من أجل الاستئناف العاجل للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية". وتابع "نعتقد أنه من الخطأ القول بعدم قدرة "الرباعية" على عقد اجتماع وزاري على هامش المناقشات السياسية العامة للدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة". وعلى صعيد متصل ، قال لافروف "إن اندلاع التوترات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط والهجوم على السفارات الأجنبية في عدد من الدول ومقتل الدبلوماسيين الأمريكيين في ليبيا يؤكد مرة أخرى ضرورة مكافحة الإرهاب بلا هوادة". وأكد أنه من الأهمية بمكان أن يلقى الإرهابيون الذين يسعون لتوجيه عمليات التغيير لتصب في صالحهم ، ردعا موحدا من المجتمع الدولي في كل مكان ، حيثما كانوا سواء في ليبيا أو في العراق أو في اليمن أو في سوريا . وينبغي أن لا يكون هناك مكان للمعايير المزدوجة . وفي ذات الوقت يتوجب على الدول جميعا بدون استثناء ضمان إبداء الإحترام والتعامل الحذر مع القيم الدينية والتاريخية والثقافية لكافة الشعوب والتصدي ومنع إهانة مشاعر المؤمنين". وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "إن المهمة الأكبر تكمن في عدم السماح بظهور تهديدات جديدة على خلفية عمليات التغيير الجارية الآن مثل غرس الراديكالية في اتجاهات التفكير الشعبية ، وإثارة المصادمات بين الطوائف وداخل الطوائف، وزيادة تهريب المخدرات غير الخاضع للسيطرة، وتجارة السلاح وإرسال المقاتلين". وأكد أن إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إطلاقها بالشرق الأوسط من شأنه أن يقدم "قيمة إضافية" غير قليلة . وروسيا من جهتها ستواصل السعي للتنفيذ العاجل لهذه المبادرة الهامة، كما ستدعم جهود بلدان المنطقة والجامعة العربية التي يتعين عليها أن تلعب بالطبع دورا رئيسيا في الدعوة لعقد مؤتمر بهذا الخصوص. وأدان لافروف كل أعمال العنف وأية انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في سوريا أيا كانت الجهة التي تصدر منها، سواء الحكومة السورية أو المعارضة. غير أن نصيبا غير قليل من المسئولية عن استمرار نزيف الدم في سوريا يقع على الدول التي تحرض خصوم الرئيس بشار الأسد على رفض وقف إطلاق النار ورفض الحوار والمطالبة بالاستسلام غير المشروط للنظام. وأضاف "أن هذا المسلك ليس فقط غير واقعي ولكنه أيضا يغض الطرف عن أساليب الإرهاب التي تمارسها قوى المعارضة المسلحة" .. مؤكدا أنه ما من شك في أن الطريق العسكري، ناهيك عن التدخل المسلح الخارجي، يحمل في طياته تهديدا خطيرا للأمن والسلم الإقليمي، إضافة لصعوبة التكهن بتبعاته. وتابع "إن التسوية المتينة يمكن التوصل إليها فقط عبر المفاوضات والبحث عن التنازلات التي تراعي مصالح كافة الطوائف والمجموعات العرقية في المجتمع السوري". وعلى صعيد متصل ، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "إن بعض الدول تسعى للتخلي عن تطبيق الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بشأن الأزمة السورية في اجتماع جنيف الذي انعقد في نهاية يونيو الماضي". ودعا لافروف جميع الأطراف ، إلى الالتزام بهذه الاتفافيات .. وقال "هناك نزعة في صفوف شركائنا ، لإعادة النظر في هذه الاتفاقيات والسير مرة آخرى في طريق الضغط الأحادي الجانب".وشدد على أن الأهم هو "ألا يسحب المشاركون في اجتماع جنيف موافقتهم على هذه الاتفاقيات". واعتبر لافروف أن تطبيق هذه الاتفاقيات أقصر طريق لإنقاذ أكبر عدد من السوريين والحيلولة دون مزيد من سفك الدماء. وأكد قدرة مبادرة الرئيس محمد مرسي، على حل الأزمة السورية .. مشددا على أن التدخل العسكري سيهدد الأمن والسلم الإقليمي للمنطقة. وأوضح أن روسيا تعول على نجاح مهمة الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي العربي في تلمس الطريق إلى تخطي الأزمة، مؤكدا دعم روسيا لإنجاحها، مرحبا في الوقت ذاته بالمبادرات التي من شأنها تدعيم الجهود المتناسقة للمجتمع الدولي والرامية لإجبار جميع الأطراف السورية على وقف العنف والجلوس لطاولة المفاوضات. وأشار لافروف إلى أن روسيا تدين كل أعمال العنف وأية انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي أيا كانت الجهة التي تصدر منها ، سواء الحكومة السورية أو المعارضة. ومن ناحية آخرى ، أعلن لافروف أن الاجتماع القادم للدول الست المعنية بقضية البرنامج النووي الإيراني (بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا والصين مع ألمانيا) ، لن يشهد إقرار أية وثائق جديدة. وقال لافروف "لا أنتظر أية وثائق" .. مشيرا إلى أن روسيا كانت أحد واضعي القرار بشأن إيران الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي.وأوضح أنه سيتم غدا تبادل الآراء حول طرق تشجيع إيران وأمانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على تكثيف العمل على حل جميع المسائل العالقة بشأن البرنامج النووي الإيراني.