يمثل برامج رعاية الموهوبين فرصة ثمينة لتعزيز تعلم التلاميذ الشامل. ومن ثم، سعت جميع المقاطعات الكندية إلى تقديم تعليم حكومى يساعد كافة التلاميذ على تنمية قدراتهم الكامنة إلى أقصى مدى ممكن عقليًا ووجدانيًا وبدنيًا واجتماعيًا بحيث يكتسبون المعارف والاتجاهات والمهارات اللازمة للمشاركة الكاملة والفاعلة فى شئون المجتمع. ويؤمن السياسيون الكنديون أن الرعاية المخططة والتعليم المناسب هما السبيل لتنمية هذه القدرات الهائلة الكامنة، كما يعتقد التربويون أن ثمن إهمال هذه الطاقات النادرة هو ثمن باهظ، وأن المجتمعات التى تتجاهل رعاية موهوبويها هى مجتمعات خاسرة تفرط فى تفوقها العلمى وإبداعاتها الفكرية. إن الإهمال المتعمد للموهوبين والمتفوقين هو بمثابة حكم بالإعدام على مستقبل الأمة؛ حيث تفقد الدولة أذكى العقول وأروع الاختراعات وأثمن المساهمات فى تنميتها الاقتصادية. وفى إطار هذا السياق أكدت وزارة التعليم فى مقاطعة أونتاريو "أهمية دور المدرسة فى تحقيق النجاح الاقتصادى للفرد والمجتمع فى ظل الاقتصاد القائم على المعرفة". وفى ظل مستقبل تكون فيه المعرفة مرادفاً للتنمية الاقتصادية يصبح رأس المال البشرى والقدرة على معالجة المعارف أمرًا حاسمًا فى حصد ثمار الرفاهية والتفوق الكوكبى. ونظرًا لأهمية اكتساب المعارف وتطويعها وتطويرها فى زيادة دخل الفرد والمجتمع، فإن التجاهل التام والإقصاء التعليمى لبعض فئات المجتمع يعنى حرمان هذه الفئات من فرص الحراكين الاقتصادى والاجتماعى. وعلى هذا فإن التنافسية الاقتصادية للدول سوف تعتمد إلى حد كبير على مدى نجاح الأمم من تحسين جودة نظمها التعليمية بصفة عامة وجودة التعليم المقدم للموهوبين دون إقصاء أو تمييز بصفة خاصة. وتتميز التجربة الكندية فى رعاية الموهوبين بالثراء والعمق والتنوع والأصالة. حيث تتبنى المقاطعات الكندية المختلفة متصلاً متنوعاً من المداخل المتعددة فى اكتشاف ورعاية الموهوبين. فنجد أن بعض المقاطعات تنشئ "مراكز للتحدى" فى المدارس الابتدائية تقوم بتقديم مقررات دراسية متخصصة للموهوبين لمدة 27 أسبوعًا خلال العام الدراسى، كما تقدم المدارس الثانوية مقررات دراسية متقدمة، ومقررات دراسية مضغوطة زمنيًا لتسمح للطلاب الموهوبين بدراسة بعض المجالات بصورة أعمق وفى وقت زمنى قصير. وتسعى برامج رعاية الموهوبين إلى خدمة أكبر عدد ممكن من الموهوبين تحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية. وعلى هذا فليس من الغريب أن يوجد فى مقاطعة "فانكوفر" وحدها أكثر من 50 مركزًا متخصصًا يقدمون خدماتهم لطلاب المرحلة الثانوية فقط لمساعدتهم على الالتحاق المبكر بالجامعات، وعلى تنمية مواهبهم، وتلبية احتياجاتهم التعليمية المختلفة. وتقوم مراكز رعاية الطلاب الموهوبين فى المرحلة الثانوية على مبدأ الشراكة بين السلطات التعليمية فى المرحلة الثانوية وبين الجامعات الكندية؛ حيث تقوم الجامعات بإتاحة الفرص أمام المدارس الثانوية للاستفادة من إمكاناتها البحثية، والمعامل، والمكتبات، والأساتذة. والملمح الثانى المميز للتجربة الكندية هو الدور القوى والفاعل الذى تقوم به مؤسسات رعاية الموهوبين مثل: "اتحاد الأطفال الأذكياء" الذى تأسس فى عام 1972، و"اتحاد الأطفال الأذكياء فى مقاطعة ألبرتا" الذى تأسس فى عام 1979. وتقوم هذه المؤسسات بتنوير أولياء الأمور، والحرص على توفير المعارف وسبل الرعاية والتوجيه لهم حتى يتمكنوا هم بدورهم من رعاية أطفالهم الموهوبين. كما تقوم أيضًا بتجميع ونشر المعلومات المرتبطة بسبل رعاية الموهوبين وتوزيعها على المعلمين ومنسقى برامج رعاية الموهوبين، والمدارس، والإدارات التعليمية. كما ساهمت بعض هذه المؤسسات مثل "اتحاد الأطفال الموهوبين فى مقاطعة بريتش كولومبيا" فى زيادة التمويل الحكومى المقدم لمدارس رعاية الموهوبين. وبالإضافة إلى هذا يقوم "مجلس تعليم الموهوبين والمتفوقين" بإجراء البحوث ونشر المقالات العلمية فى مجال رعاية الموهبة والتفوق، وبتقديم الاستشارات العلمية حول سبل تدريب المعلمين على التعامل مع التلاميذ المتفوقين. والملمح الثالث المميز للتجربة الكندية هو التخطيط الاستراتيجى لوزارة التربية والتعليم بهدف رعاية المتفوقين والموهوبين. وقد أصدرت مديريات التربية والتعليم فى المقاطعات الكندية عدة تقارير توضح الخطط التى يجب تنفيذها، واستراتيجيات تنفيذ هذه الخطط، والبرامج التى يجب تطبيقها، ومفاهيم الموهبة، وسبل اكتشاف الموهوبين، وآليات رعايتهم. وتؤكد هذه الخطط الإستراتيجية مفهوم التعلم مدى الحياة، والاستفادة من إمكانات جميع الأفراد فى المجتمع المحلى، وتدريب المعلمين قبل وأثناء الخدمة، ونشر الوعى بأهمية الموهبة والتفوق لدى جميع أطراف العملية التعليمية. أما الملمح الرابع فهو تقديم غالبية الجامعات الكندية لمقررات دراسية إجبارية فى مرحلة الليسانس فى مجال الموهبة وعلم النفس المعرفى، بالإضافة إلى درجتى الماجستير والدكتوراه. وتؤكد المقررات التربوية والنفسية فى الجامعات الكندية تفرد كل متعلم، والترحيب بالتنوع والاختلاف لدى التلاميذ، والوعى والالتزام، والمشاركة والاستقلالية، وإتقان المتعلم لأقصى مدى ممكن، والتعاون، والتأمل، واحترام ورعاية المتفوقين وذوى الاحتياجات الخاصة. وما أحوج دول عالمنا الإسلامى إلى الاستفادة من ثراء وعمق التجربة الكندية فى مجال رعاية الموهوبين. إننا نحتاج بشدة إلى برامج متنوعة تراعى الاحتياجات العقلية والتعليمية المختلفة والمواهب المتعددة لأبنائنا التلاميذ، وإلى مؤسسات علمية راسخة تقوم بدور حقيقى فى صياغة السياسات التعليمية، وإلى اهتمام حقيقى وتطبيق فعلى من وزاراتنا المختلفة للتخطيط الاستراتيجى، وإلى تدريس مناهج متقدمة فى مجالات الموهبة والذكاء والتفوق فى جامعاتنا.