فى كل دول العالم ذات السياسة الخارجية ذائعة الصيت وزير خارجية قوى يمارس سلطاته كاملة فى إطار السياسة العامة للدولة. مصر وحدها التى افتقدت هذه الميزة رغم عراقة مدرستها الدبلوماسية، فلا تجد لها وزير خارجية معروفاً ولا حتى وزارة تقوم بتلك المهمة، بل تتنازل عنها طواعية أو جبرًا، مرات لجهاز المخابرات وللسيد عمر سليمان فى عهد مبارك، أو للمخابرات ومراد موافى فى عهد ثورة يناير، ويقال إنها تنازلت عنها فى عهد مرسى لمساعده الدكتور عصام الحداد. ما علاقة حداد بالسياسة الخارجية؟! علميًا وخبرات لا توجد ثمة علاقة، سوى أنه كان مسئول العلاقات الخارجية داخل الجماعة، فهو دكتوراه فى الطب من جامعة أستون البريطانية.. ومع أنه لم يسبق له ممارسة أى مهمات دبلوماسية، يقال إن جواز مروره إلى منصبه الرفيع، مساعدًا للرئيس لشئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، ما يتمتع به من علاقات طيبة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومع رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان. تصدر المشهد فى قصر الرئاسة قبل أن يدخله رسميًا، إذ كان يشارك فى استقبال كبار المسئولين الدوليين ويرافق مرسى فى جولاته الخارجية، ثم ترأس الوفد المصرى الذى زار اسطنبول وتكون من وزيرى المالية، والتخطيط والتعاون الدولى، مع عدد من المسئولين والخبراء الاقتصاديين، وهو الذى وقع مع نائب رئيس الوزراء التركى على بابا جان صفقات تمويل بقيمة مليارى دولار. لا أقلل من شأن الرجل، لكن يقلقنى ما يتردد حاليًا عن هيمنته على دور وزير الخارجية الذى تم التجديد له فى وزارة الدكتور هشام قنديل، وتردد حينها أن ذلك كان بضغط من المجلس العسكرى السابق، وإن كنت أشك فى ذلك، لأن مجلسًا طار كالريشة فى دقائق لا يمكن أنه يشكل أداة ضغط ولا أن يهتم بإبقاء محمد كامل عمرو. المشكلة أن هذا الوزير بدأ توزيره منطفئا، قليل الكلام، مفتقدًا لكاريزما وزير الخارجية القوى.. أقرب مقارنة ستكون بينه وبين الدكتور نبيل العربى أول وزير خارجية بعد الثورة.. العربى فرض نفسه من الثانية الأولى وعرفه العالم سريعًا بتصريحات قوية وبدا أنه سيخط منهجًا مختلفًا، وسيشبه محمود رياض وزير الخارجية فى عهد عبد الناصر، أو أستاذ الدبلوماسية المصرية الدكتور محمود فوزي. لذلك كان مثيرًا الإبقاء عليه فى عهد محمد مرسى الذى يستهدف إيقاظ دور مصر الخارجى النائم.. فهل شخصية كامل عمرو الضعيفة صارت ميزة له للحاق بوزارة قنديل؟! هناك اتهامات عديدة حاليًا بأن الدكتور عصام الحداد هو مهندس السياسة الخارجية فى الوقت الراهن.. وأن الوزير كامل عمرو مجرد وزير بلا حقيبة فعلية، أو وزير بروتوكولى. مهما نفت الرئاسة أو الحكومة - علمًا بأن أيا منهما لم ينفِ حتى الآن- فالإصرار على وزير خارجية ضعيف، سيعلى من أسهم الحداد فى بورصة الحديث عن صانع السياسة الخارجية المصرية، وهذا يراد به إثبات أن خيرت الشاطر هو الصانع الفعلى لها لأن ترويج تلك الاتهامات يستند على رؤية خبيثة ترى أن حداد يتمتع بصلات وثيقة مع الشاطر لدرجة وصفه بأنه ظل له. والغريب أننى فى بحثى عن العلاقات الدولية التى قيل إن حداد يتميز بها، لم أجد سوى اشتراكه فى إجراء أبحاث علمية للتحاليل الطبية فى ألمانيا، وأنه سافر إلى انجلترا للحصول على الدكتوراه فى الطب، ثم انضم لاحقاً للمجموعة العربية عقب عودته إلى مصر! لا أجد رابطاً بين التحاليل الطبية والسياسة الخارجية، إلا إذا اعتبر البعض أن كلها "تحاليل" على طريقة الراحل الممثل جورج سيدهم فى مسرحية "المتزوجون" عندما ربط بين العمل فى المجارى والعمل فى الذرة على أساس أن كلها "ذرات"!! [email protected]