ما يمنع أن تجالس من هو على غير ملتك وعلى خلاف دينك؟ ومن قال بأن المسلم منعزل أو أنه مأمور أن يتعامل على أنه جنس آخر غير جنس البشر؟ إن الإسلام ورسوله جاءا رحمة للعالمين، وإذا لم يكن هناك اختلاط بالناس، كيف إذن تكون هذه الرحمة؟ وكيف يراها أو يشعر بها الناس؟! إن الدين أبدًا لم يكن عدو الإلف والود، لم يكن عدو الانسان، لم يكن ناهيا عن المعروف والسماحة والبر والمعروف لغير المسلمين ومن يتصور ذلك فقد جهل روح الإسلام وغايته الكبرى التي جاءت لنفع الإنسانية.! (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة أعرف بعض المحلات التي يمتلكها مسيحيون، وينكر علينا البعض أننا نتعامل معهم ونبيعهم ونشتري منهم، والمصيبة أنهم ذمتهم أرقى من كثير من المسلمين، ولكن بعضا من إخواننا يتهيبون التعامل معهم بحجة العداء الكامن للمسلمين وأنهم يخططون للسيطرة على الاقتصاد والسوق وكثير من المهن والتجارات، لكن الحل الأمثل لا يمكن أبدا أن يكون في تجنب التعامل معهم، ولكن الحل الواضح في يقظة كبرى تجتاح نفوس المسلمين فتوقظهم من جهلهم وتأخرهم وسباتهم وضياعهم فيجتهدوا ويعملوا ويجدوا وينجحوا ويتفوقوا ويسيطروا. أما أن نظل على هذا التحريض والمنع واعتقادنا بأن هذا الحجب يمنع سيطرة الغير على منافع الامة فهو وهم كبير. إن بعض المسلمين يروق له أن يخلق جوا من العداء دون مبرر، ولو أنه أنصف لاحتضن الجميع بأخلاقه ونظر إلى نفسه فلم يهملها وأيقظ فيها عناصر القوة، التي تزيده من بريقه وقوته ومنعته، مهما حاك من صنوف المؤامرات.! الشيخ عبد الرشيد إبراهيم في رحلاته الثرية سجل مواقفًا تستحق أن نقف عندها ونتأملها وبين أن هذا الجهل أو هذا الانغلاق ضارب في أمتنا منذ عقود، مع أن الاثار الواردة عن كثير من الائمة تحكي كيف أسلم أهل الكتاب ومن هم على غير ملتنا من الوثنيين والمجوس حينما تعاملوا معهم ورأوا جمال أخلاقهم. شرب الشيخ شايًا عند رجل مجوسي فأنكر عليه بعض طلبة العلم، وقال له كيف شربت شاي المجوس؟! إنهم مشركون، قال الشيخ: (إنها مصيبة وقعت على رأسي مثل الصاعقة، إنهم يستدلون بقوله تعالى:" إنما المشركون نجس" في رفض أي شيء يقدمه المجوس، فلا يأكلون معهم ولا يشربون لاحظوا في الدنيا هذا النوع من المسلمين! جهل شديد من جهة وصلابة شديدة فيما يعتقدون من جهة أخرى! ومرة كان الشيخ مدعوا عند رجل مجوسي صيني يبدو أنه من رجالات الدولة وله شهرته ومقامه، ونشرت الصحف خبر هذه المأدبة وحضور الشيخ لها، قال الشيخ: (فقام مسلمو الصين بتوجيه نقد مباشر لي لقبولي ضيافة رجل مجوسي وأكلي من طعامه النجس! والحقيقة أن توغورت صاحب الوليمة قد احتاط لمثل هذا النقد، فدعا أشهر الطباخين المسلين في بكين لإعداد طعام لي، وقد أنقذتني الصحف نفسها من هذا النقد والتجريح عندنا نشرت بعد يومين خبر استقدام هذا الطباخ المسلم فلولا نشر هذا الخبر لكنت ضحية هذه الضجة التي لا أصل لها.! كنت مرة في طريقي إلى بكين فأردت شراء بيض، فأسرع إلى صيني مسلم لا أعرفه وقال لي: لا يجوز لك أن تأخذ بيضا من كافر، وأخذ النقود من يدي، وجاء من المدينة ببيض من المسلمين، كنت أفكر وأقول: أيعقل هذا النوع من التعصب؟ ولكنني بعد أن تأكدت من أحوال المجوس قلت: إن المسلمين على حق، وكدت أصرخ من أعماق قلبي: عاش التعصب، لأن العناد والتعصب في المجوس بلغ مبلغا بحيث إذا مروا بظل مسلم بادروا إلى الاغتسال!" ولكن حتى لو كان من يعادوننا بهذا الغلو، فلا يجب أن نقابلهم بمثله، بل يجب أن نقابلهم بما يشعرهم بحرج غلوهم.!