عندما فبرك النائب السابق "البلكيمى" قصة ضربه واختطافه لم يمنعنا انتماؤه السياسى وتبريره الهزيل من أن نقول له: "أنت كذاب"، وإذا ثبت أن "أحمد غانم" افترى على "حمدين صباحي" حكاية قيامه بتشويه الاقتصاد المصرى أمام المستثمرين الأمريكيين سنقول له: "أنت كذاب"، وإذا ثبت أن "د. حسن البرنس" اختلق الحوار المزعوم بين الرئيس "د. مرسي" و"وهيبة" بشأن ميزانية الهيئة العربية للتصنيع سنقول له: "أنت كذاب"، فهل لدى التيارات غير الإسلامية شجاعة وشرف القيام بذلك؟. الكذب منقصة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خصال النفاق فى أكثر من حديث واستنكر أن يكون المؤمن كذابًا، وصنف بعض العلماء الكذب من كبائر الذنوب بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه، وهو مذمومٌ فى كل الشرائع ومرفوضٌ من كل الأمم، وعندما تورط الرئيس الأمريكى السابق "بيل كلينتون" فى فضيحة جنسية غفر له شعبه سقطته الأخلاقية وخيانته الزوجية ولكنه لم يغفر له أنه كذب عليه، مع العلم بأن "كلينتون" هو أحد أعلى الرؤساء شعبية فى تاريخ أمريكا، وهو الرئيس صاحب أعلى معدلات النمو الاقتصادى الأمريكى فى زمن السلم. ولا يقتصر الكذب على ذكر معلومة غير صادقة أو غير صحيحة، بل مجرد نقلك لكل ما تسمع بدون تثبت من دقتها ومصدرها وبدون حاجة أو ضرورة لهذا النقل يعد كذبًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع"، ومثال ذلك فى مجتمعنا كلمة "بيقولك"؛ فبمجرد أن تسمع من محدثك كلمة "بيقولك" فتوقع أن تسمع بعدها أكذوبة؛ فهى تتساوى مع كلمة "زعموا" التى قال فيها العلماء "زعموا مطية الكذب"، وللأسف فقد أسهم الإعلام بجناحيه التقليدى والجديد وشبكات التواصل الاجتماعى فى تفشى هذه الظاهرة بصورة مدمرة للمجتمع وانتشار الأكاذيب كالنار فى الهشيم. وللكذب صور متنوعة منها شهادة الزور والافتراء والبهتان؛ واختلاق وترويج الشائعات وتضخيم الحقائق أو تقليلها بالتهويل أو التهوين؛ بل وما نستسهله من المقالب السمجة؛ وما نستحله من إضافة التوابل والبهارات على المعلومات، أو تحوير هذه المعلومات وتفسيرها بصورة مغرضة. ولقد أصبح الكثير من هذه الصور مسيطرًا الآن على حياتنا السياسية وساحتنا الإعلامية فى ميكيافيلية بغيضة مما خلق أجواءً ضبابية من البلبلة والارتباك والتشويش، ومن خلال تلك الحالة أصبحت القوى الثورية ألعوبة فى يد الإعلام الفلولى ومَن وراءه، مما أفرز اتساع هوة الشقاق وفقدان الثقة بين هذه القوى الثورية. ومن هذا المنطلق أدعو الجميع لأن نترفع عن هذه الجريمة الشنيعة، وأن نتعاهد على الفصل التام بين نقل المعلومات وبين وجهات النظر والمواقف السياسية، وإذا كانت فصائلنا السياسية قد عجزت عن التعامل المتحضر مع خصومها فاستحلت السب والقذف والتهكم والسخرية وتراشق الاتهامات؛ فتعالوا بنا إلى كلمةٍ سواء ألا نزيف الحقائق ونزور المعلومات لأغراض سياسية؛ وألا يفترى بعضنا على بعضٍ كذبًا وزورًا وبهتانا؛ وألا يمنعنا الانتماء السياسى أو (الخصومة السياسية) من أن نقول للكاذب: "أنت كذاب".