من المسئول القانوني و الشرعي و الدستوري عن الأقباط في مصر ؟! البابا شنودة أم رئيس الجمهورية ؟! الكنيسة أم الدولة ؟! هذا السؤال جوهري و مهم و لا يحل للمخلصين و الوطنيين التهرب منه ، بل ينبغي الإجابة عليه بشجاعة ووضوح ، حتى لو أغضب شلة المستفيدين من إرجاء طرحه في أي حوار وطني جاد . الطبيعي و القانوني و الدستوري أن مصر بمسلميها و أقباطها بلد واحد و رئيسها واحد .. و ظلت كذلك طوال تاريخها ، و هي المرحلة التاريخية التي لم تشهد أية أزمات طائفية حادة ، و لا تكاد خلالها أن تميز بين المسلم أو القبطي حتى الأخير كان يُسمى و بعفوية شديدة بأسماء تعكس وحدة الثقافة و تمازجها بين العنصرين مثل إبراهيم و عبدالله و يوسف و إسحاق و غيرهم ، و هي ذات الأسماء الي يُسمى بها المسلمون. و لكن اليوم فإن الأمر اختلف اختلافا "خطيرا" .. و أعيد و أكرر على كلمة "خطير" .. ! و لذا فلنكن صرحاء و نتحدث بلا حرج و نعترف أن مصر اليوم بدت و كأنها دولتان برئيسين : الأولى هي الكنيسة و تمثل الأقباط و يرأسها البابا شنودة و الثانية هي مصر و تمثل المسلمين و يمثلها رئيس الجمهورية ! . و هي قسمة شاذة .. و غريبة و هي صنيعة النظام الحالي الذي ارتضاها لنفسه وللكنيسة في سياق طريقته التي ألفناها عنه في إدارة الملفات الساخنة بالدولة ، و هي السطحية و الاستسهال و اعتناق فكر "الارجاء السياسي" الذي يتهرب من مواجهة المشكلة ويحيلها على طريقة أهل البلد البسطاء إلى " المجهول" و يتركها ل" الزمن" غير عابئ بخطورة هذا الاستسهال و الهروب الاعتباطي و العشوائي الدائم و المستمر من مواجهة مشاكله، فضلا عن خوفه و ارتباكه و اضطرابه بسبب ارتباط الملف القبطي باهتمامات دوائر اليمين المسيجي المتصهين بالولايات المتحدة ، صانعة القرار السياسي الحقيقي بالبيت الأبيض. و الخلاصة أن النظام ترك الكنيسة للأقباط و رضي لنفسه بدور شرفي و شكلي و صوري عليهما .. و هذا هو أصل البلاء و أصل تنامي الشعور الطائفي وتعاظم الإحساس بالتميز وبالاختلاف الثقافي و السياسي والمؤسسي لدى الأقباط المصريين ، و هو شعور بطبيعة الحال ، يقابل برد فعل "غاضب" من قبل شركائهم في الوطن "المسلمين". ربما كان رد الفعل "صامتا" في الكثير من الأحداث الطائفية و لكنه يتنامى باضطراد مع كل مرة تتنازل فيها الدولة عند رغبات و طموحات الكنيسة الطائفية . فيما ترى الأغلبية المسلمة تعامل النظام معها بقسوة و بلا إنسانية و بهمجية في كثير من الأحيان ، بلغ الأمر حد أن يطالب المسلمون النظام أن يعاملهم بنفس الحنو و الرقة التي يتعامل بها مع إخوانهم الأقباط !. و لذا يخطئ من يظن أن مسرحية الفتنة التي عرضتها الكنيسة بداخلها و طبعتها ووزعتها خارجها ، هو السبب الحقيقي و الوحيد في رد فعل الشارع و مظاهرات الغضب التي أشعلت الإسكندرية ، هذا تقدير خاطئ لحقيقة الأزمة ، فالشارع في الحقيقة كان يستعر و يغلي بسبب تراكم الاستفزازات و تلاحقها في السنوات الأخيرة ، و التي تتحمل الدولة مسئولية الدفع به في هذا الاتجاه ، بعد أن استقر في الوجدان العام المسلم ، أن الكنيسة باتت تحتمي في الخارج وفي النظام و لا تحتمي كما كان في السابق بالداخل وبالمواطنة و الجماعة الوطنية المصرية . المشكلة إذن .. في حقيقتها هي أزمة نظام سياسي عجوز و غير قادر على تحمل مسئولياته التاريحية في الحفاظ على أمن و سلامة البلد الداخلية ، ما يجعله يبحث عن أيسر الحلول و أبسطها على طريقة "بلاش وجع دماغ" و" الباب اللي يأتي منه الريح سده و استريح" . إن عزلة الأقباط بصفة عامة الآن و تغول الدور السياسي للكنيسة على هذا النحو الذي جعلها مؤسسة لها سلطة عرفية موازية لسلطة الدولة ، و ما ترتب على ذلك من احتقانات طائفية ، مرده إلى هذا الاستسهال الرسمي في التعاطي مع الملف القبطي . و في تقديري بجانب ما اقترحته في مقال أمس بضرورة تأسيس مجلس عقلاء أو حكماء من التيار العقلاني القبطي لفرض وصايته على الكنيسة ، إلى حين تسليمها لأخرين يستأمنهم الأقباط على دينهم ومصالحم و مصلحة البلد ، أو تسليمها كما هو الحال مع المساجد إلى وزارة الأوقاف فإنه من الأهمية التأكيد على أن كل هذه الحلول أو غيرها ستكون ناقصة إذا لم تساعد الجماعة الوطنية المصرية أشقائنا الأقباط على أن يعودوا مرة أخرى إلى الدولة باعتبارهم مواطنين مصريين لهم كامل حقوق المواطنة .. و ليس إلى الكنيسة باعتبارهم طائفة دينية معزولة و مهمشة . كل الحلول ستكون لا قيمة لها ما لم تسترد الدولة الأقباط من الكنيسة من خلال استرداد حقها الدستوري و القانوني و الشرعي الذي سلبته منها بعض القيادات الدينية المسيحية الحالية .. بالابتزاز و التخويف و بالاستقواء بالخارج . [email protected]