حسنا فعلت جماعة الإخوان بسحب دعوتها إلى المظاهرات، وعليها أن تراجع نفسها مستقبلا فى دعوات مماثلة، فقد باتت صاحبة القرار التنفيذى والسياسى بوصولها إلى الحكم، وعليها أن تقدم للعالم نموذجا قادرا على حماية الدولة وضيوفها وإرسال رسالة بأنها لم تعد جماعة سرية قولا وفعلا وإحساسا ولا جماعة احتجاجية. الدكتور محمد البلتاجى القيادى بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للجماعة)، قال فى تصريحات نشرتها أمس صحيفة الحزب: "علينا أن نعمل من أجل كشف الذين يدفعون لاستعادة حالة الفوضى التى تسعى إليها وتتفق عليها قيادات طره وينفذها النخانيخ". إذا كان هناك "نخنانيخ" فعلا فى محيط السفارة الأمريكية، فهذه مسئولية التيار الإسلامى وأولهم "الإخوان" لأنهم أصحاب السلطة فى الوقت الراهن، ولديهم مفاتيح القرار والتحرك السياسى المؤثر، وليس دورهم توتير الشارع وفتحه على مصراعيه للبلطجية الذين ظهروا مجددا فى الساحة، وعودة وجوه كنا نراها فى شارع محمد محمود وشارع مجلس الوزراء. السلطة الآن كلها فى يد الرئيس محمد مرسي، فقد رحل مجلس طنطاوى وعنان، وتفككت الدولة العميقة، وعليه لا ينبغى اتهام طرف ثالث أو "اللهو الخفي" الذى كان يتحجج به المجلس العسكرى السابق، ولا إلقاء المسئولية على "النخانيخ"، مفرد البلطجى نخنوخ المقبوض عليه حاليا. إذا كانت المظاهرات ليست سمة الحكام، فاتهامات كتلك لا يجب أن تخرج منهم، لأن تمويل قيادات طره – على حد قول البلتاجى – لنخانيخ السفارة الأمريكية حتى يخلقوا الفوضى وعدم الاستقرار، يعنى أن مؤسسات الحكم غير قادرة على الضبط والربط والحزم وتدمير أنفاق الفساد، ولا أظن ذلك فى ظل قيادات أمنية وعسكرية جديدة اختارها مرسى بنفسه. إذا راجعنا مشهد البلطجية فى محيط السفارة الأمريكية يوم الخميس سنجد أن أمرهم يحتاج فقط إلى الحزم وتطبيق القانون وليس أن يبادلهم رجال الأمن إلقاء الحجارة والكر والفر، 50 جنديا فقط يستطيعون محاصرتهم والقبض عليهم لو توفرت الإرادة والنية. ولو فعلوا ذلك ما عاد غيرهم مرة أخرى. إذا استمر المشهد كما هو مع نقل فضائى مستمر له، فلن تستطيع حكومة مرسى إعادة الأمن والاستقرار ومواجهة البلطجية واللصوص ولن نرى وجه سائح، وستعود قريبا جدا حوادث القتل والخطف بوتيرة أكبر مما عهدناها فى زمن مجلس طنطاوى وعنان. ومن المشهد المحلى إلى المشهد العربى، فطائرات أمريكية بدأت تحلق فوق ليبيا كما قالت بعض التقارير أمس، وفى السودان أضرم المتظاهرون النار فى السفارتين البريطانية والألمانية ورفعوا علم القاعدة على الأخيرة. وفى شمال لبنان أضرمت النار فى مطعم وجبات سريعة وسقط قتيل و25 جريحا، وفى الكويت تظاهر 300 شخص أمام السفارة الأمريكية وحاولوا اقتحامها. إنه اندفاع عاطفى يحتاج ضبطا وربطا دينيا، وليتهم سمعوا خطبة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوى فى صلاة الجمعة أمس بمسجد عمر بن الخطاب بالدوحة، فقد دعا إلى الغضب المعتدل، لأن الوفاء للرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون بالعنف ومهاجمة السفارات وقتل السفراء. لا نريد أن نخسر الذين تعاطفوا معنا فى قضية الفيلم المسيء ولا أن نكون وقودا لصهاينة مولوا الفيلم من أجل إشعال حرب دينية فى المنطقة وتعريضها لاحتلال أمريكى غربى تحت يافطة "مجلس الأمن". [email protected]