هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفى أبو عبد الله البخارى من مدينة بخارى فى إقليم خراسان، وهو من أصل بلخى وهى إحدى ولايات أفغانستان اليوم، وهو الحافظ إمام أهل الحديث فى زمانه، والمقتدى به فى أوانه، والمقدّم على سائر أضرابه وأقرانه، وكتابه "الجامع الصحيح" أجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه. ولد الإمام البخارى ليلة الجمعة الثالثة عشرة من شوال سنة 194ه، ومات أبوه وهو صغير، فنشأ فى حجر أمه، فتوجّه إلى حفظ الحديث، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبى سبعين ألف حديثاً سندًا ومتنًا، أصيب بصره وهو صغير، فرأت أمه فى منامها سيدنا عليه السلام يقول: "يا هذه، قد ردّ الله على ولدك بصره بكثرة دعائك (أو قال: بكائك) فأصبح بصيرًا". كان مقبلا على العلم، وقام بأداء فريضة الحج وعمره ثمانى عشرة سنة، ثم أقام بمكة يطلب بها الحديث ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث فى البلدان التى أمكنته الرُحلة إليها وكتب عن أكثر من ألف شيخ. وكان البخارى يستيقظ فى الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة. يعتبر "الجامع الصحيح" هو أشهر كتب البخارى، بل هو أشهر كتب الحديث النبوى قاطبة، بذل فيه جهدًا خارقًا، وانتقل فى تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هى مدة رحلته الشاقة فى طلب الحديث، ويذكر البخارى السبب الذى جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوقع ذلك فى قلبى، فأخذت فى جمع "الجامع الصحيح". بلغ عدد أحاديث صحيح البخارى مع وجود المكررة منها 7593 حديثا،ً اختارها الإمام البخارى من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا فى قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة فى رواية راوى الحديث، وهى أن يكون معاصرًا لمن يروى عنه، وأن يسمع الحديث منه، أى أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع. كان البخارى لا يضع حديثًا فى كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ تأليف كتابه فى المسجد الحرام والمسجد النبوى، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التى عليها الآن. كانت وفاة البخارى ليلة عيد الفطر سنة (256ه) الموافق لمثل هذا اليوم عام 870م.