أطفال يدفعون ثمن الإهمال.. وأصابع الاتهام تتوجه إلى السائق دائمًا الأتوبيسات فى حالة يرثى لها.. وتكتظ عن آخرها بالطلاب.. مديرة مدرسة: «على قد فلوسكم» سائق باص: المدرسة بتسترخص وبتشترى أتوبيسات متكهنة غير صالحة.. وبتلزمنا بدورتين يوميًا.. والعمل فى مواقف الميكروباص ليس هناك ما هو أصعب على أي أب أو أم من أن يعود إليهما ولدهما، فلذة كبدهما، جثة هامدة، شعور من الصعب تخيله، ومهما كتبت الكلمات، فهي تعجز في الحقيقة عن وصف تلك المأساة، وحجم الألم والمعاناة الذي تعيشه أي أسرة مكلومة، تدفع ثمن إهمال أشخاص لا يقدرون المسئولية الملقاة على عاتقهم. في الأسبوع الماضي، قضت محكمة جنح أول أكتوبر بالحبس لمدة 5 سنوات مع الشغل والنفاذ لسائق أتوبيس مدرسة ومشرفة، بعد أن أدانتهما بتهمة القتل الخطأ، الذى تسبب فى دهس الطفلة "مليكة" بأكتوبر أثناء توصيلها للمدرسة الخاصة بها، كما قضت بالتعويض المدنى 20 ألف جنيه. قضية الطفلة "مليكة" التي شغلت الرأى العام فى مصر، نظرًا لفظاعتها وبشاعة المقطع المصور الذى أظهر عملية الدهس وقتل الطفلة البريئة. الحادث ليس الأول من نوعه، الذي يروح فيه طفل أو طفلة في عمر الزهور، أثناء العودة من المدرسة. فى نهاية العام الماضى، انقلب أتوبيس مدرسة خاصة بالرحاب، ما أدى إلى إصابات بالغة ل14 طالباً وطالبة, وفى منتصف العام ذاته، أصيب 6 تلاميذ نتيجة انقلاب السيارة الخاصة بمدرستهم، وغيرها من حوادث كان المتهم فيها "أتوبيس المدرسة". الأرقام تنذر بخطر فى البداية، اتجهنا للأرقام من مصدرها الأول فى مصر، وهو الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، حيث وجدنا أن عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس الخاصة بمراحلها بلغ 311 173 طالبًا، للعام الدراسى 2016- 2017، وأن الأتوبيسات الحاصلة على ترخيص أتوبيس مدرسى بلغ عددها 13392، وفقًا لإحصاء عدد المركبات طبقًا لنوع الترخيص على مستوى المحافظات فى آخر ديسمبر 2017. وحسب الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فإن 57% من حوادث الطرق فى مصر سببها الأول العنصر البشرى "السائق"، يليها الحالة الفنية للحافلة (الصيانة) بنسبة 17.1%. تجارب قاسية مع الباص المدرسى وتقول المهندسة (رشا. أ) ولى أمر طالبة فى إحدى المدارس الدولية، بالقاهرة الجديدة: "كان لى تجربة سيئة للغاية مع الباص المدرسي، حيث فى يوم تأخرت عن العمل ولم أحضر إلى المنزل فى موعد وصول ابنتي، ففوجئت بأن السائق والمشرفة أنزلاها أمام المنزل وحدها دون إخبارى حتى هاتفيًا، لأخبر حارس العقار أو يأخذانها معهما، وأقابلهما بسيارتى فى مكان خط السير، أو يعودان بها للمدرسة وأستلمها من هناك، رغم إبلاغى للمشرفة باحتمال تأخري". وأضافت: عندما رجعت إلى المنزل وجدت ابنتى أمام بوابة العقار وحدها تبكي، فأخذتها على الفور، واتجهت إلى إدارة المدرسة التى فتحت تحقيقًا فورًيا، وعاقبت المشرفة وأبلغت الشركة المالكة للباص والتابع لها السائق، فعاقبته بدورها بالخصم 10 أيام، مع الإنذار بالفصل ووضع تلك الواقعة فى ملفه". أما (نبيلة. م) موظفة بإحدى الهيئات التابعة لوزارة التضامن، ووالدة (أحمد ع)، طالب بمدرسة خاصة فى إحدى المناطق الشعبية بضواحى الجيزة، قالت: "تجربتى مع الباص المدرسى كارثية بكل ما تحمله المعانى من كلمات، بغض النظر عن تأخره وعدم انتظامه فى المواعيد، وهذا يرجع إلى ضيق الشوارع فى المنطقة وسوء رصف الطرق بالحي، فعدد التلاميذ أكثر بكثير من المسموح به، فمن الممكن أن تجد 4 طلاب فى الكرسى الواحد، والباقى يقف فى الطرقات بين الكراسي، ومن الممكن أن تجد الطالب يجلس على قدم زميله، وعندما اشتكينا لإدارة المدرسة قالوا: "هذه إمكانيتنا على قد فلوسكم إحنا مش مدرسة دولية أو فى مكان 7 نجوم". وأضافت ل"المصريون": "تحملت أول عامين وعندما عرف ابنى طريق المدرسة، اتفقت مع سائق توكتوك جارنا ليوصل نجلى رفقة بعض زملائه إلى المدرسة ذهابًا وعودة، فهو أرخص وأكثر سرعة خاصة فى الطرق السيئة والشوارع الضيقة مثل حالنا". وروت "دينا. س" مدرسة سابقة فى إحدى المدارس الخاصة الشهيرة بالجيزة، والمملوكة لأحد كوادر التعليم السابقة، تجربتها الكارثية مع الباص المدرسي، قائلة: "إدارة المدرسة كانت تسمح للمدرسات بركوب الباص ذهابًا وعودة شريطة، ألا نأخذ أماكن الطلبة خاصة الأطفال، وكنت فى بداية حملى حينها, والتزمت بالتعليمات ولم آخذ مكان أى طالب ووقفت بين الكراسى وبعضها، رغم عدم التزام زميلاتى القدامى بتعليمات الإدارة، على الرغم من ازدحام الباص بعدد أكثر من المسموح به". وأضافت ل"المصريون": "فى أحد الأيام راعت المشرفة على الحافلة ظروف حملي، وطلبت منى عدم الوقوف أثناء سير السيارة، وتنازلت عن مكانها بجوار السائق، فشكرتها وجلست ولم أكن أعلم أن القدر يخفى لى ما لا أتوقعه ولا أتمناه، حيث زاد السائق من سرعته، ورغم تكرار طلبى منه أن يخفضها، إلا أنه لم يستجب لكلامى حتى اصطدم بالرصيف أسفل الدائرى، وأصبت بنزيف حاد وتم نقلى رفقة بعض الطلبة إلى المستشفى القريب، وما أن وصلت حتى تم إبلاغى بفقدانى الجنين، وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية تم التصالح مع أولياء الأمور حتى لا تسوء سمعة المدرسة، وتم فصل السائق الذى اتضح فيما بعد أنه يتعاطى الحشيش، وأنا استعوضت الله فى الجنين، وتنازلت عن المحضر من أجل أطفال السائق واكتفيت بفصله من المدرسة، ثم تقدمت باستقالتي". وعقب حادث الطفلة "مليكة"، طالبت جمعية أولياء أمور مدارس مصر، وزارة التربية والتعليم بتنفيذ عدة تعليمات، من بينها إلزام المدارس بتركيب كاميرات أمامية وخلفية فى أتوبيسات المدرسة، لمشاهدة أى طفل أمام أو خلف الباص قبل تحرك السائق، وذلك لعدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل. وطالبت الجمعية فى بيانٍ لها، المسئولين بالوزارة بالتشديد على جانب اختيار سائقى الأتوبيسات بعناية، والحرص على وجود مدير أمن وسلامة لتوعية السائقين باستمرار، وعمل تحليل مخدرات على السائقين بصفة مستمرة، والتنبيه على السائقين بعدم التحرك إلا بعد التأكد أن الأطفال فى مكان آمن والتحرك ببطء. وشدد أولياء أمور "مدارس مصر" على ضرورة أن تسلم مشرفة الأتوبيس الطفل لولى أمره يدًا بيد، وعدم ترك الأطفال وحدهم. السائق المتهم دائمًا وفقا لأرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء سالفة الذكر، فإن المتهم الأول لحوادث لطرق عامة فى مصر هو السائق، وبالقياس فإن حوادث حافلات المدارس المتهم الأساسى بها هو السائق أيضًا كما فى حالة مقتل الطفلة "مليكة". اتجهنا مباشرة إلى "حسن. ع" سائق الحافلة الذى تحدثت عنه المُدرسة "دينا س"، والذي لا يزال يتذكر تفاصيل ذلك اليوم المشئوم، قائلاً: "هذا اليوم لن أنساه ولأريد تذكره، لكن الكل وجه أصابع الاتهام لى ولم يستمع لشكواي، هناك مشاكل عدة من أول إدارة المدرسة حتى إمكانيات السيارة وأولياء الأمور، وهذا لا ينفى خطئى بزيادة السرعة وعدم الاستماع للأستاذة دينا". وأوضح: "أولاً الإدارة تطلب مننا سرعة الذهاب والعودة، حتى لانتأخر فى الدورة الثانية وأحيانا الثالثة، فنحن لا نذهب دورة واحدة فقط فى اليوم، والدورة قد تستغرق ساعتين ذهابًا ومثلهما عودة، وكل هذا وأنا أقود وسط الزحام الطرق السيئة ومطلوب منى أيضًا بعد انتهاء الدورات، أن أخرج بالسيارة وأذهب إلى أحد المواقف البعيدة عن المدرسة، وأحول الباص المدرسى إلى سيارة نقل جماعى بالأجرة استغلالاً لوقت الفراغ بين دخول الطلاب وخروجهم". وأضاف: "ثانيًا: أولياء الأمور، يطالبون بخروج أولادهم مبكرًا فى الدورة الأولى وعدم انتظار الدورة الثانية، بالتالى تسمح الإدارة بركوب عدد أكبر بكثير من المسموح به، وتكتظ السيارة بالطلاب والمدرسات، ما يحجب عنى الرؤية من الزجاج الخلفى تمامًا، بالإضافة لعدم سيطرة المشرفة على هذا الكم الكبير من الأطفال". واستدرك: "معظم السيارات فى بعض المدارس الخاصة بالمناطق الشعبية بالتحديد لا تصلح، فالباب لا يغلق والكراسى تالفة، بالإضافة لعدم وجود تكييف، وتركيب كراسى إضافية غير مصرح بها لتأخذ عددًا أكبر من الطلبة، وكل هذا ببساطة نتيجة أن تلك السيارات اشترتها المدارس مستعملة من شركات أجنبية تعمل فى مصر، وتحدّث أسطول سياراتها باستمرار لمراعاة آدمية العمال بها أو من مدارس دولية أيضًا، وأنا متأكد من ذلك لأن من قدمنى للمدرسة كى أعمل بها هو الحاج "زغلول. ع" تاجر السيارات الذى يشترى الحافلات المستعملة تلك باسم المدارس الخاصة بالمناطق الشعبية". "المصريون" تواصلت تليفونيًا مع الحاج زغلول الذى أكد، أن "تلك الأتوبيسات قديمة بالفعل، وتم الاستغناء عنها من قبل شركات السياحة والرحلات وبعض المدارس الدولية بالقاهرة ونقوم بشرائها كتجار لصالح أصحاب المدارس الخاصة أو شركات النقل والرحلات بأسعار زهيدة والخطورة تكمن فى عدم قيام أصحاب المدارس بصيانتها قبل دفعها لتوصيل الطلاب". وأضاف أن "صيانة تلك الأتوبيسات مكلفة ولا يتم عملها إلا بالورش الصغيرة، وفى كثير من الأحيان لا يفتح باب الأتوبيس بسبب تسرب ضغط الهواء به،مما ينذر بكارثة فى حال وقوع حريق داخل الأتوبيس". مديرة مدرسة: "الباص درجات" حاولت "المصريون" التواصل مع أصحاب بعض المدارس الخاصة والدولية لكن معظمهم لا يجيب على الهاتف أو يمتنع عن الحديث، والبعض الآخر قال إن التوقيت صعب نظرًا لأنها فترة امتحانات، ألا إننا فى النهاية توصلنا إلى مديرة إدارة إحدى المدارس الخاصة بالجيزة هاتفيًا، وقالت: "نرحب بأى تفتيش خاص بالباص أو المدرسة عامة، فنحن على مدار السنوات لم يصلنا إلا شكاوى معدودة، مثل تأخر الباص أو أن السائق والمشرفة لا يردان على الهاتف، ويتم العقاب الفوري، لو كان السائق تابعًا لنا، أو إبلاغ الشركة المسئولة عنه فى حالة أن يكون الباص مستأجرا طوال فترة الدراسة من هذه الشركة". وتابعت: "فى النهاية التعليم، وكل ما يتعلق بالعملية التعليمية، بما فيها أتوبيس المدرسة درجات ومستويات، كل حسب مقدرته، وظروفه المادية فهى الفيصل فى النهاية ومعظم أولياء الأمور يرفضون الزيادات على المصاريف حتى لو من أجل صيانة الباص". حملات لا طائل منها عقب كل حادث أليم خلال الأعوام الماضية، يروح ضحيته أطفال أبرياء لا ذنب لهم، تتحرك بعض الجهات، دون البحث عن حل عملى متكامل ينسف فساد المنظومة من الجذور. فعلى سبيل المثال، فى نوفمبر 2016، شنت الإدارة العامة لمرور القاهرة، حملات أمنية بالتنسيق مع وزارة الصحة، لفحص سائقى أتوبيسات المدارس بالعاصمة، وضبط السائقين تحت تأثير المواد المخدرة، وأسفرت الحملات عن ضبط 10 سائقين يتعاطون المخدرات. وكان ذلك عقب إصابة 18 طالبًا فى حادث تصادم أتوبيس تابع لمدارس جون أمريكان انترناشيونال بطريق القاهرة-السويس بمنطقة الشروق بسيارة مقطورة صباح الثلاثاء قبل الماضي، فيما توفى السائق ومشرفتان فى الحادث. وفى عام 2017 وعقب عدة حوادث، أطلق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى برئاسة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى ورئيس مجلس إدارة الصندوق، حملة للكشف على سائقى الأوتوبيسات السياحية والأجرة والحافلات المدرسية بمدن محافظة جنوبسيناء للتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات، وذلك بالتنسيق مع مديرية الأمن بجنوبسيناء ومديرية الصحة بالمحافظة. وكشفت لجنة الكشف المبكر عن تعاطى المواد المخدرة على 1202 سائق فى محافظاتالقاهرةوالجيزة والقليوبية والبحيرة والإسكندرية، خلال الفصل الدراسى الأول، فيما يخص سائقى الحافلات المدرسية، وتبين تعاطى 35 سائقاً للمواد المخدرة بنسبة 2.9% من إجمالى من تم الكشف عليهم، بعدما كانت النسبة فى نفس الفترة من العام الماضى 3.6%. وتبين تعاطى 20 حالة لمخدر الحشيش و11 حالة تعاطٍ لمخدر الترامادول وحالتى مورفين وحالتى تعاطى متعدد "حشيش وترامادول"، وتم تحرير محاضر وإحالتهم للنيابة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بهذه المحافظات (بيان لوزارة التضامن صدر بتاريخ 18 ديسمبر 2018). البرلمان: سنفتح ملف الباص المدرسى قال الدكتور سامى هاشم، عضو لجنة التعليم بالبرلمان، إنه سوف سيتم فتح هذا الملف داخل اللجنة خلال الفترة القادمة، لدراسة من مختلف الجوانب، وبحث ما إذا كان الوضع فى حاجة إلى المزيد من القوانين أو الضوابط. وأضاف ل"المصريون": لم "نناقش هذا الأمر مع الوزير حتى الآن، لكن هناك اقتراحًا بإلزام المدارس بالتعاقد مع شركة نقل حكومية خاضعة لوزارة النقل، على أن تكون الحافلات مخصصة لنقل الأطفال، والسائق متدرب للقيادة بالأطفال والبراعم وصغار السن، وأن تكون الرقابة على هذه الأتوبيسات مشددة، والتفتيش على السائقين بشكل شبه يومي". وتابع: "الصعوبة الحالية تكمن فى أن السائق لا يخضع للمنظومة التعليمية، أو رقابة المدرسة المشددة، إلا إذا كان موظفًا بها، وليس سائقًا حرًا أو تابعًا لإحدى شركات النقل الخاصة، لهذا فى حال طرح هذه القضية داخل البرلمان، سوف نفعل المطلوب مع الجهات المختصة للقضاء على خطورة هذا الملف". واستدرك: "للأسف، ليس لدينا معلومات كافية عن هذا الملف، لأنه متشعب الخطوط والجهات ولا يخضع لجهة رقابية واحدة، فلا نعلم آلية اختيار السائقين أو تعاقدهم مع المدارس، أو حتى الشروط الواجب توافرها فى تلك السيارات". فى الإطار ذاته، قال اللواء أحمد خشب، عضو لجنة النقل بالبرلمان، إن "أتوبيسات المدارس تخضع لقانون المرور الحالى مثلها مثل حافلات النقل الجماعي، طبقًا لنوع الترخيص، وليس لها بند مخصص بالقانون". وأضاف ل"المصريون": "يطبق على سائقي الباصات القانون نفسه الذى يطبق على السائقين الآخرين، فالجميع تحت طائلة القانون، ولا فارق هنا بين سائق أتوبيس مدرسي، أو أتوبيس عام، أو سياحي، فالقانون واضح وصريح، ولا ينقصنا قوانين بل ما ينقصنا هو تفعيل القانون". وتابع: "قانون المرور الحالى لم يتغافل عن أى نقطة من النقاط، فالأتوبيس عند الترخيص يتم الكشف عن موديله وصلاحيته من عدمها، كما يتم الكشف على الموتور، وبالتالى إن وجد أتوبيس بدون لوحات معدنية، أو حافلة لم تعد صالحة، أو سائق بدون رخصة أو يتعاطى المخدرات، فإن ذلك مخالف للقانون".