كمال حبيب يمتد الصيام إلي مناطق أخري في نسق التشريع الإسلامي ، فعندنا صيام التطوع وهو الذي يؤديه المسلم في غير شهر رمضان متطوعاً من غير أن يكون مفروضاً عليه ، مثل الستة أيام البيض التي تلي يوم العيد من شهر شوال ، فكما هو معلوم فإن يوم العيد يحرم الصيام فيه فهو اليوم الذي يحتفل به المسلمون بقيامهم بواجب الصيام " ولتكبروا الله علي ماهداكم ولعلكم تشكرون " . وبعده يتبعه المسلم بصيام ستة أيام من شوال لما في الحديث " من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فقد صام الدهر كله " ، والست هنا متتابعات أو متفرقات علي قدر مايطيق المسلم ، فهنا الصيام له امتداد لما وراءه في التطوع والثلاثة أيام البيض من كل شهر في الثلاثة عشر والأربعة عشر والخمسة عشر من كل شهر عربي قمري ، فالنظام الكوني القمري هو النظام المعمول به لدي المسلم . فنحن جزء من الكون والخلق ، ونحن ندور مع نظام الكون الذي وضعه الخالق له وللإنسان معا ، وهو مانطلق عليه في نظرية المعرفة الإسلامية " التوحيد " ، فتجليات التوحيد تتمثل في وحدة الخالق فهو الواحد المعبود بحق ، ووحدة نظام الكون والإنسان بلا تضاد ولا تصارع كما في النظريات الغربية ، ووحدة نظام التشريع الذي يضبط حركة الأنساق جميعا " وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " . وعندنا صيام يوم عرفة ، وعندنا صيام يوم الاثنين والخميس ، وعندنا صيام داوود كان يفطر يوما ويصوم يوما ً ، وهو أحب الصيام إلي الله ، فهنا الصيام نظام يمتد للحياة كلها ويتجاوز مجرد كونه فرضا في شهر رمضان ، وهو نظام معتمد في النسق التشريعي كمطهر للذنوب وأحد أسباب تكفيرها " إن الحسنات يذهبن السيئات " فمكفرات الذنوب والمعاصي من الأبواب المهمة من الناحية التشريعية والأخلاقية للمسلم الذي تقلقه المعصية ويستفز ضميره الذنب لذلك شرع الله المكفرات وهي عقوبات يلتزمها المسلم لتكفر عنه ذنوبه كما في كفارة الحلف الكذب " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " فهنا الصيام باب من أبواب الرحمة بالعبد والتي تكفر عنه ذنوبه وسيئاته ، كما في قوله تعالي " قل ياعبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا " . فالصيام رحمة فرضاً كان أو مندوبا أو كفارة ، وهو تربية للنفس ليس فقط في رمضان ولكنه نظام للتربية يتجاوز رمضان إلي ماوراءه طوال العام ، ويبقي الهدف منه قائما ً ومطلوباً أبدا وهو قوله تعالي " لعلكم تتقون " ، ونحن مع تعقد نظام الحياة وقسوتها وماديتها نحتاج باضطراد إلي الصيام وذلك ليشع في حياتنا التقوي والتوازن والوسطية ، وأيام الصيام التي يصومها المسلم وكما خبرنا ذلك عادة ما تكون من أفضل أيامه راحة للنفس وهدوءاً للعقل وسلاما يشع في داخل الإنسان تبدو وضاءته علي وجهه . نحن أمام نسق واحد واسع لنظام واحد شرعه رب واحد لإنسان يريد الله منه أن يكون متصالحاً مع هذه الوحدة وجزءاً منها ، فالإنسان في التصور الإسلامي جزء من المنظومة التي وضعها الخلاق العليم وليس منفصلاً عنها ، ومن ثم فالصيام في رمضان والصيام بعده له صلة قوية بالزكاة والصلاة والحج والجهاد وله علاقة بتهذيب الأخلاق مثل التزام الأمانة وعدم الكذب والافتراء وسوء الظن بالخلق واتهامهم بلا بينة ولا دليل أو اتهامهم ثم البحث عن دليل للاتهام وكأنه وكيل للادعاء العام ، رغم أن المنظومة الإسلامية تقوم علي الأخلاق وعلي الضمير والوجدان وعلي العلاقة المتفردة جدا مع الخالق . النظام الأخلاقي والتشريع الإسلامي مرتبط جدا بالممارسات الاجتماعية والسياسية فنحن أمام نسق تتضامن فيه قواعد التشريع والأخلاق مع الممارسات الحياتية واليومية والمجتمعية والعامة ، وسيظل هذا النسق قادرا دائما علي التجذر والمقاومة والحياة مهما أراد الأعداء النيل منه فهو نور الله وهدايته للإنسان المعاصر الحائر والله حافظه برحمته ليبقي بر أمان وشاطئ رحمة حين يفيق الإنسان من غفلته وتوهانه ونزقه ويريد العودة إلي مرفأه الأول " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولوكره الكافرون "