قد يستغرب البعض من قولى إن الإرهاب والفكر التكفيرى لم يخرج من تحت عباءة الإخوان كما جرت عادة المثقفين العرب على ترديده وإنما من تحت عباءة بعض المنتسبين ل "اليسار العربى"، بما فيه المصرى بالتأكيد. ليس فى كلامى أى مفاجأة، المشكلة فى أن قطاعاً كبيراً من الإعلام الرسمى العربى المملوك للدولة، لا يزال تحت سيطرة الفلول الماركسية، وهى التى تملك كل أدوات إعادة تشكيل وصوغ اتجاهات الرأى العام، ترفع من تشاء وتذل من تريد! وهى ظاهرة من أغرب الظواهر فى العالم، إذ لم يعد للماركسيين أى وجود حقيقى على المستوى الرسمى فى أى دولة فى العالم إلا فى مصر وعدد من الدول العربية، وكانت المفاجأة بالنسبة لى أيضا، أن الماركسيين المصريين على سبيل المثال يهيمنون أيضا على وسائل الإعلام خاصة الصحف فى منطقة الخليج العربى، على الرغم من أن دول الخليج هى الأكثر عرضة لانتقادات الماركسيين العرب وتهكمهم وسخريتهم، على أساس أن تلك الدول شاركت، ومولت الجهاد الأفغانى الذى هزم التجربة الماركسية عسكرياً فى أفغانستان، ثم ما تبعه من هزيمة سياسية مدوية بسقوط الاتحاد السوفيتى. كان ولع الماركسيين العرب بنظرية حتمية العنف، والثورة، والعمل السرى فى التغيير السياسى والاجتماعى، أثر كبير وحاسم فى منحاهم نحو البحث عما يعتبرونه التجارب الثورية، والجماعات السياسية السرية فى التاريخ الإسلامى، مثل: القرامطة والخوارج وغيرهما، بصفتها الجانب المضىء فى تاريخ الأمة، والذى جرى تهميشه من الفكر الإسلامى السلفى السنى، الذى يعتمد على ثقافة الطاعة (بحسب زعمهم)، والعمل على إبرازها وإعادة الاعتبار لها، فشاركوا بلا وعى منهم فى إضفاء الشرعية على الإرهاب السياسى، والذى يمثله القرامطة فى التراث الصراعى، فيما أعادوا إحياء الفكر التكفيرى بتمجيدهم للخوارج، حيث استقت بعض التيارات فى مصر على سبيل المثال مثل جماعة "المسلمين" والمعروفة إعلامياً وأمنياً باسم "التكفير والهجرة"، بعض أصولهم فى التصنيف الدينى للمسلمين ما بين مسلم وكافر، والتصفية الجسدية لخصومها من المسلمين أيضاً، فضلا عن إحياء فكرة دار الهجرة مجدداً على يد زعيمها شكرى أحمد مصطفى، وهى ذات الفكرة التى أحياها من قبل القرامطة فى الكوفة عام 277 ه على يد مؤسسها حمدان القرمطى. ولذا لم تكن مصادفة أن تظهر الجماعات التكفيرية متزامنة مع علو كعب اليسار وقوة نفوذه فى المجتمع والدولة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضى. هذا الكلام ربما قد يصدم البعض، ويراه تحليلاً مخالفاً لما هو سائد ومستقر فى وعى النخبة، والتى ترى فى جماعة الإخوان المسلمين المحضن الذى احتضن مدرسة العنف الدينى فى مصر. والحال أن اليسار المصرى، يتحمل الجزء الأكبر من عملية إعادة إحياء المذاهب العنفية والتكفيرية على أسس دينية، حين ذهب تحت ضغط الأيديولوجيا الماركسية التى تمجد العمل السرى وفكرة الخروج بالعنف والسلاح إلى إضفاء الشرعية على جماعات العنف والإرهاب، والتكفير الدينى والسياسى فى التاريخ الإسلامى، والحديث عنها بخشوع وتبتل شديدين. *نقلاً عن كتابى "الإخوان والجماعة الوطنية".. الصادر عام 2009. [email protected]