مع كل عام تتجدد فتاوى الاحتفال بالمولد النبوي، والتى تأخذ طريقها فى الجدل الفقهى بين الحل والحرمة، وكالمعتاد يكون الإسلاميون على رأس فريق التحريم، ويقوم علماء الأزهر بتفنيد الأمر، وبيان الحكم الشرعى فى المسألة، لكن من بين الإسلاميين، من يرى الحل وجواز الاحتفال بالمولد، كنوع من السعادة والابتهاج بذكرى خير الأنام. الدكتور أنور عكاشة، القيادى التاريخى فى جماعة الجهاد، قال إنه لا توجد حرمة مطلقة بالنسبة لاحتفالات المولد. وأضاف، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أنه سأل -عمر عبدالرحمن- الأب الروحى للجماعة الإسلامية المحظورة عن حلوى المولد داخل ليمان طرة، وذلك بعد أن أحضر الأهالى كميات كبيرة من الحلوى، واختلف الإسلاميون فى الأكل منها، استفتوا "عبدالرحمن"، والذى أمر بسرعة القضاء عليها -مازحا- عن طريق الأكل، فى إشارة منه إلى عدم الحرمة، وأنه يجوز الاحتفال والأكل من حلاوة المولد. كما أكد عكاشة أنه فى ليمان طرة حضر وزير الأوقاف الأسبق محمد على محجوب لإلقاء ندوة دينية، والتى وافقت مناسبة المولد، وأرسل لسجناء طرة، ومن بينهم الإسلاميون، عشرات علب الحلوى، وانقسم الإسلاميون أيضا حول الأكل منها. وتابع قائلا: قام الفريق المحرم للحلوى وأراد أن يرد الحلوى لوزير الأوقاف، حيث رفض من اللواء صفوت جمال الدين، الذى كان مسؤولا عن منطقة طرة وقتها، وكان يتمتع بأريحية وحضور بين السجناء. وأشار عكاشة إلى أن الفريق المتشدد قام بإلقاء الحلوى فى القمامة، حيث قمنا بإخراجها من القمامة، وتم أكلها. وعن طبيعة الجدل حول حرمة الاحتفال بالمولد، أوضح أن احتفالات المولد، خاصة فى فترة السبعينيات من القرن الماضي، كانت مصحوبة بالاحتفالات الصوفية، وكانت المظاهر الصوفية، غير العادية، هى التى تسيطر على جو واحتفالات المولد، منوها بأنه كان شخصيا يرى استعراضا للثعابين فى أيام الاحتفال بالمولد. كما قال أسامة حافظ، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية المحظورة، إنه لا يؤيد الاحتفال بالمولد، خاصة بالصورة التى يتم بها الاحتفال بها هذه الأيام لأسباب كثيرة. وأضاف على صفحته الرسمية على "فيس بوك" أنه قدّم دراسة قام بنشرها على حسابه ليعرض فيها الرأى الآخر لإثراء الحوار حول الموضوع, والرأى بالمنع وإن كان الأقرب دليلا والأحوط للدين إلا أن القول بالجواز مع الاحتياط عن البدع والمعاصى والتجاوزات التى تحدث فى مثل هذه الموالد ليس مروقا من الدين أو ضلالة من الضلالات. وأشار حافظ إلى أن الاحتفال بالمولد النبوى يقوم على أصلين: الأول: هو أن البدع كلها ليست مذمومة وإنما هناك البدعة الحسنة التى لا تراغم النصوص الشرعية وتوافق قواعد الدين. والأصل الثاني: هو الاستئناس ببعض النصوص التى تشير إلى هذا المعنى –معنى الاحتفال- مثل حديث صوم يوم عاشوراء تيمنا بنعمة نجاة موسى عليه السلام من فرعون وتكرار صومه كل عام تيمنا بهذه النعمة، وحديث صيام النبى صلى الله عليه وسلم ليوم الإثنين لأنه يوم مولده. وتابع فى حديثه عن جواز الاحتفال بالمولد: أول من احتفل بالمولد النبوى كان صاحب أربل الملك المظفر، وكان متزوجا بأخت "صلاح الدين الأيوبي"، وكان ملكا شهما شجاعا بطلا عاقلا عادلا " وكان ينفق أموالا وفيرة فى هذا الاحتفال –المولد- من إطعام وصدقة وغيرهما. ونقل حافظ فى جواز الاحتفال بالمولد أن بعض العلماء أجازوه ك -ابن حجر- والذى قال: إن من تحرى فى عمله المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة ومن لا فلا، واستدل: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم إلى المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى فنحن نصومه شكرا لله فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه". فيستفاد من فعل ذلك شكر الله تعالى على ما منَّ به فى يوم معين من إسداء نعمه أو دفع نقمة ويعاد ذلك فى نظير ذلك اليوم من كل سنة.. والشكر لله يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة.. وأى نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبى الكريم، لافتا إلى أن هذه بدعة حسنة إذا قصد فاعلها جمع الصالحين والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وإطعام الطعام للفقراء والمساكين. فتاوى مثيرة أفتى الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بحرمة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف حيث وصفه ب"البدعة". وأضاف أن الاحتفال بيوم المولد النبوى "مذموم"، مؤكدًا أن مولد النبى أمر محدث، ويختلف يوم عاشوراء عن المولد النبوي، لافتًا إلى أن الاحتفاء بالنبى باتباع سنته وليس بأكل الحلويات. وأوضح نائب رئيس الدعوة السلفية، أن الاحتفاء بيوم المولد النبوى بأى من الأشكال سواء بالصوم أو بأكل اللحم أو غيره يعد من البدع. كما قال الداعية السلفى سامح عبدالحميد، إن الصحابة كانوا أفضل منا ويحبون النبى صلى الله عليه وسلم أكثر منا؛ ورغم ذلك لم يحتفلوا بيوم مولده صلى الله عليه وسلم، بل لم يحتفل النبى صلى الله عليه وسلم بيوم ولادته. وأضاف أن الاحتفال بالمولد بدعة منكرة، ولو كان فى مثل هذه الاحتفالات خيرا لفعله الصحابة، ولأمر به النبى صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن هذه الاحتفالات ليست مشروعة، وأنها من الأمور المحدثة، منوها بأن أول من أحدثها هم الفاطميون (العبيديون) فى القرن السادس الهجرى وقد كانت تصرفاتهم مشبوهة. وتابع: إذا نظرنا فى كتب السيرة النبوية سنجد أن كتَّاب السيرة يختلفون حول ميلاده صلى الله عليه وسلم إلى أقوال، هى كما يلى يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وثامن ربيع الأول، عاشر ربيع الأول، وثانى عشر ربيع الأول، وقال الزبير بن بكار: "ولد فى رمضان". فيما هاجم محمود لطفى عامر، الداعية السلفى، جميع الطرق الصوفية لإقامتها احتفالات بالمولد النبوى، واصفا هذه الاحتفالات بالباطلة، وأنها أفعال ما أنزل الله بها من سلطان، وتخالف صحيح الدين، مضيفًا: "يكثر الناس الحديث المكرر كل عام أو كل شهر أو كل أسبوع عن أعياد ما أنزل الله بها من سلطان". وأضاف أن "الأعياد من شعائر الإسلام ولا شعيرة إلا بنص، وبالتالى لا عيد ولا احتفال باسم الإسلام إلا فى عيدين اثنين لا ثالث لهما، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى"، موضحاً أن أى عيد يحدث باسم الدين غير الفطر والأضحى من البدع المنكرة والجهالات التى وفدت إلينا من أهل الكتاب والأمم الكافرة. وأشار إلى أنه فوق نكبة المعتقد وسلوك الموالد تتوالى النكبات التموينية، حينما يلتهم الرواد فى المتوسط مليون كيلو من "حلوى البدعة" فلو عددنا مع البدوى الدسوقى والمرسى والشبلى والقناوى والشاذلى يكون المجموع نحو 6 ملايين كيلو حلاوة مولد أى فى المتوسط 4 ملايين كيلو سكر، ثم نتساءل مَن يحدث الأزمات؟ مضيفًا: "يلاحظ على الأعياد المصرية البدعية أنها للأكل والاستهلاك والبطالة، لم نر مناسبة بدعية واحدة فيها عمل أو إنتاج وإنما كلها نهم وإزعاج وسد للطرقات والتزاحم. فتوى الأزهر قالت دار الإفتاء المصرية إن المسلمين اعتادوا فى مشارق الأرض ومغاربها على الاحتفال بمولد الهدى والنور مولد الهادى البشير النذير مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذى جاهد لنشر مبادئ الإسلام وإرساء قواعده. وأكد الدكتور نصر فريد واصل، المفتى الأسبق، أن هذه الاحتفالات لا مانع منها شرعًا؛ لأنها تذكر المسلمين فى جميع أرجاء الدنيا بما كان عليه صاحب الذكرى من خلق قويم ونهج مستقيم، وكيف كان مولده نورًا أضاء الدنيا وأخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان واليقين. وأضاف أنه إذا كان المسلمون يحتفلون بذكرى المولد الشريف على طريقتهم الخاصة احتفالًا يختلط فيه الخير بالشر والنافع بالضار فإننا نقول لهم: لا بد وأن يراعى فى مثل هذه الاحتفالات الالتزام بآداب الإسلام وتعاليمه، ولا يتحقق ذلك إلا بصيرورة هذه الاحتفالات ندوات علمية وتوعية يعرف فيها المسلمون تاريخ إسلامهم وأسلوب نبيهم الحافل بالعظات والعبر والجهاد والكفاح والصبر على تحمل الشدائد، ويلتمسون التعاليم السامية التى ينتفع بها الإنسان فى حياته وبعد مماته. كما يجب أن يراعى فى هذه الاحتفالات عدم اختلاط الرجال بالنساء، وألا يحدث هرج ومرج وألا ترتكب الفواحش، وبما يتنافى مع آداب الإسلام وتعاليم النبى المحتفى به عليه الصلاة والسلام، وأن يكون الرسول الكريم هو القدوة فى هذه الاحتفالات حتى يكون عملنا مرضيًا له صلى الله عليه وآله وسلم فى قبره الشريف ومرضيًا لله رب العالمين.