"نحن لا نبالغ إذا قلنا إن حركة تغيير القيادات الصحفية القومية غير مسبوقة فى تاريخ مصر.. وغير مسبوقة أيضًا فى دولة واحدة بالعالم! فالحركة أشبه بالثورة الإعلامية من حيث الشمولية (ما يقرب من50 إصدارًا) ومن حيث التوقيت، ونوعية التغيير، والحنكة والجرأة فى ممارسة مجلس الشورى لصلاحياته.. بطريقة غير مسبوقة أيضًا! فبالأمس القريب والبعيد كانت عملية تعيين رؤساء التحرير تتم وفق معايير أمنية صارمة، حيث يتم تفضيل الأقرب إلى أجهزة الأمن وصنع القرار.. إضافة إلى معيار الثقة والولاء التام للنظام والعلاقات الخاصة جدًا مع أركانه.. هذا الأسلوب الفاسد والبائد فى الاختيار انعكس سلبًا على مستوى الأداء المهنى والإدارى.. بل والأخلاقى أيضًا.. ولكن عملية الاختيار الأخيرة لرؤساء تحرير الصحف القومية جاءت لتقلب هذه الآلية الفاسدة رأسًا على عقب.. فالاختيار يتم علنًا وفى النور.. وليس وراء الكواليس أو فى الغرف المظلمة.. أيضًا جاء الاختيار بمشاركة كل الأطراف المعنية بالعملية الصحفية.. بدءًا من نقابة الصحفيين ومرورًا بالمجلس الأعلى للصحافة وخبراء وأساتذة الإعلام.. وانتهاءً وابتداءً بمجلس الشورى ذاته.. مالك الصحف القومية. أيضًا اتسمت آلية الاختيار بمعايير جديدة ودقيقه تقوم على الكفاءة والمهنية و"نظافة اليد" وعدم التلوث بالنظام البائد فكرًا وممارسةً!، فهناك ضوابط واضحة اتفق عليها الجميع حتى من انسحبوا من لجنة الاختيار بعد أداء دورهم كاملاً.. وهناك درجات محددة تم توزيعها على خطة التطوير والسيرة الذاتية والسجل المهنى.. إضافة إلى تقارير الأجهزة الرقابية التى تناولت سلامة الذمة المالية وعدم الوقوع فى أخطاء قانونية. إذًا لأول مرة يتم وضع هذه الآلية والمعايير الصارمة والعادلة معًا.. ولأول مرة يتم فتح الباب للجميع دون استثناء أو إقصاء.. بما فيهم رؤساء التحرير الذين كانوا موجودين أثناء عملية الترشيح.. وأُتيحت الفرصة للجميع فى منافسة شريفة ومهنية رفيعة.. بعيدًا عن الشللية والتربيطات الانتخابية.. إلخ الألاعيب التى كان يمارسها البعض لاقتناص منصب "رئيس التحرير" الذى لم يعد مطمعًا.. بل مغرمًا ومهمة ثقيلة! نعم إنها مهمة ثقيلة لكل الأطراف.. خاصةً رؤساء التحرير الجدد.. وهم ليسوا جددًا على الساحة الإعلامية والصحفية والعامة.. بل هم جزء أصيل منها.. ومساهم نشط فيها.. بل ومؤسس لكثير من إصداراتها.. لذا فإن المهمة الأولى للقيادات الجديدة هى تأليف القلوب وتصفية النفوس وانفتاح العقول على كل التيارات والتوجهات السياسية.. فمصر بتاريخها العريق والطويل حافلة بالتنوع والتعددية التى تفرض على القيادات الجديدة أن تفتح لها كل الأبواب للحوار وعرض الآراء المختلفة.. فى إطار من الاحترام والموضوعية والنقد البناء.. دون قذف أو سب أو تجريح.. فلنقل جميعًا ما نشاء.. دون تجاوز قانونى أو شخصى. المهمة الثقيلة الثانية هى: انتشال هذه المؤسسات من الهوة السحيقة التى انحدرت إليها.. ماليًا وإداريًا ومهنيًا أيضًا.. حتى تحول كثير من أبنائها إلى مجرد موظفين.. يوقعون ويجمعون المرتبات والعلاوات والمكافآت ثم يرحلون.. ولا مانع من بعض الوقفات الاحتجاجية والشو الإعلامى فى المصاطب الفضائية!! نعم.. إن المؤسسات الصحفية القومية بحاجة إلى ثورة حقيقية.. تشمل كل أركانها وتصل إلى قواعدها الجماهيرية.. حتى تعبر بحق وصدق عن هموم الشعب المطحون.. وعن ثورة تحاربها "ثورات" مضادة.. وتلاحقها من كل الاتجاهات! ولأول مرة نشعر بدور مجلس الشورى فى الحياة العامة.. فقد اتهمه البعض بالضعف.. وغابت المشاركة الكثيفة عن انتخاباته الأخيرة.. حتى علت أصوات تطالب بإلغائه!! ولكنه أثبت من خلال هذه القضية أنه يستطيع قيادة حركة التغيير من خلال الإعلام.. ومارس دوره الدستورى بجرأة وحكمة وحنكة أيضًا.. وهذه ليست مجاملة. ومع ذلك تبقى هناك مهام ثقيلة أخرى أمام الإعلام القومى والمؤسسات الصحفية بشكل خاص.. والحديث متواصل بمشيئة الله.