منذ التحاقى بالجامعة وتحديداً بكلية السياحة والفنادق، كنت أنظر إلى كل يمتهن بمهنة التدريس بالجامعة نظرة إجلال واحترام.. وبما أننا فى كليتنا ندرس اللغات الأجنبية على مدار السنوات الأربع، وكل فضل دراسى.. وبما أن اللغات الأجنبية هى عماد دراسة السياحة والفنادق، وأن باقى المواد غير ممتدة وتنتهى بانتهاء الفصل الدراسى ولا يعلق من الذهن منها ما يسد ظمأ العقل.. لذلك كانت نظرتى إلى (دكاترة اللغات) على حد علمى وقولى وقتها هى نظرة تحمل كل معانى التقدير والإجلال والاحترام.. بل وكنت أعتقد وقتها أنهم أعلى وأرفع مكانةً من باقى (الدكاترة).. ويستحيل أن تجد طالباً ضعيفاً يتفوق فى اللغات الأجنبية والعكس ممكن، حيث يمكن أن تجد طالباً ضعيفاً يتفوق فى مادة أو أكثر من المواد الأخرى لأسباب لا يمكن أن تحدث مع مدرسى اللغات!!! ما سبق ظل انطباعى الشخصى غير الواقعى لأننى لم تكن لدى الخبرة الكافية، ولم يكن لدى علم بقانون تنظيم جامعاتنا.. وعلمت بعدها أن أولئك البؤساء الذين يعملون فى صمت هم حصاد قهر وتهميش القوانين لهم.. إنهم يعاملون قانونياً وإدارياً ومالياً مثلهم مثل أى موظف أو عامل بالجامعة.. بل وإن بعضهم قد بلغ قمة طموحه قبل الثورة أن يحصل على التثبيت.. وأنهم يدرسون وليسوا أعضاء تدريس.. وأنهم حاصلون على الماجستير والدكتوراه من كليات الآداب والألسن ولا يجرؤ أحدهم أن يفكر أن يكون مثل المعيد أو المدرس المساعد.. ويحصلون على كامل الاحترام والتقدير من الطلاب فقط!!! ومؤخراً قررت الاطلاع على قانون تنظيم الجامعات فوجدت المشرع قد وضع المادة 126 التى تنص على: يجوز تبعاً للحاجة تعيين مدرسى لغات فى الكليات والمعاهد التابعة للجامعة ويسرى عليهم أحكام العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس، فيما لم يرد فى شأنه نص خاص فى هذا القانون.. ونصت المادة 128 على أن تتولى أقسام اللغات بكلية الآداب– كل فى حدود اختصاصه– الإشراف من الناحية الفنية على مدرسى اللغات فى كليات الجامعة ومعاهدها المختلفة.. ونصت المادة 129 على أن تسرى على مدرسى اللغات أحكام المادتين (103) و (104). وقمت متلهفاً شغفاً بالرجوع إلى هاتين المادتين عسى أن أجد فيهما ميزة أو إنصافاً أو ما يغير انطباعى الذى قد يكون خاطئاً أو ظالماً للقانون، إلا أننى وجدت المادة 103 تنص على أنه لا يجوز لأعضاء هيئة التدريس إعطاء دروس خصوصية بمقابل أو بغير مقابل.. والمادة 104 تنص على أنه لا يجوز لأعضاء هيئة التدريس أن يشتغلوا بالتجارة أو أن يشتركوا فى إدارة عمل تجارى أو مالى أو صناعى أو أن يجمعوا بين وظيفتهم وأى عمل لا يتفق وكرامة هذه الوظيفة.. ولرئيس الجامعة أن يقرر منع عضو هيئة التدريس من مباشرة أى عمل يرى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها. الله أكبر عليكم يا مدرسى اللغات.. عايزين إيه أكثر من كده... القانون مش حارمكم من حاجة خالص.. يعنى سلب منكم امتيازات أعضاء هيئة التدريس الأدبية والمالية ووضعكم فى خانة (موظف) وجعلكم تتبعون أمين الكلية أو أمين الجامعة.. ومن جهة أخرى ساواكم فى المحظورات والعقوبات الخاصة بأعضاء هيئة التدريس وجعل لرئيس الجامعة سلطة محاسبتكم ومجازاتكم واتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية اللازمة حال جنوح أحدكم!!! أرى أن ما سبق عرضه هو تشريع يستوجب المراجعة وإعادة الوزن الدقيق.. فهناك عدم توازن بين الصلاحيات والامتيازات والمسئوليات.. ولن أضيع وقت القارئ ومساحة الرأى فى إبداء آراء حول المقترح تنفيذه تجاه أولئك المهمشين، فالاقتراحات موجودة، ولكن العبرة بنية التحرك بصدق لرد الحق لأصحابه الذين يصح أن يطلق عليهم (الجندى المجهول بالجامعات). وفى ظل انطلاق صيحات العاملين بالجامعات واعتراضهم على زيادات أعضاء هيئة التدريس والمطالبة بالمساواة بهم، نجد مدرسى اللغات قد تعففوا عن الكلام فى ذلك مع أنهم أولى حق وأولى من العاملين مع بالغ احترامى وتقديرى، ولكن مدرس اللغة ينفق على بحوثه للماجستير والدكتوراه مثله مثل المعيد والمدرس المساعد.. بل ويطور وينمى نفسه لغوياً لصالح أبنائنا الطلاب.. كل ذلك متطلبات لديه ويحصل على مرتب الموظف، الذى لا ينفق مليماً واحداً على العمل.. ولا يسائله أحد عن نشاطه بعد الثانية ظهراً. أعلم أننى أدافع عن هؤلاء الزملاء بغير ذى صفة أو مصلحة، وليس لى أحد من الأقارب حتى الدرجة السادسة يعمل كمدرس لغة أو حتى من فئة المعارف.. إلا أننى أنتمى للجامعة المصرية، وأتمنى أن أرى جامعتنا تعلو فى سماء جامعات العالم، ويعز على أن أجد غبناً أو ظلماً داخل أروقة محراب العلم، لأن من يعانى القهر والظلم لا يمكن أن يعطى العطاء المطلوب.. وربما أكون متعاطفاً أكثر من اللازم، إلا أن ذلك بدافع المصلحة العامة، وليس المصلحة الفردية. وفقنا الله لما فيه الخير لمصرنا الحبيبة.