فى الحادى والعشرين من يونيه 2012م، صدر حكم المحكمة على قتلة الشاب السلفى سيد بلال بالمؤبد على أربعة ضباط من جهاز أمن الدولة هم: حسام إبراهيم، أسامة عبد المنعم، أحمد مصطفى، محمود عبد العليم (هاربين )، وخمسة عشر عامًا على الضابط محمد الشيمى واسمه المستعار علاء زيدان! والأسماء المستعارة فى جهاز أمن الدولة ضرورة لحماية ضباط التعذيب من التعرف عليهم ومؤاخذتهم قانونيًا. حين قُتل سيد بلال، لم تهتم صحف النظام وإعلامه بالجريمة لأن الشهيد مسلم سلفى لا دية له ولا قيمة! وكان الجلادون قد أمروا بدفنه ليلا دون جنازة، مع تهديد أهله وأقاربه إذا تكلموا أو أقاموا جنازة أو عزاء للشهيد الذى اتهمه الضباط بالمشاركة فى جريمة لم يقترفها وهى تفجير كنيسة القديسين ليلة الاحتفال بعيد الميلاد عند طائفة النصارى، ومن شدة التعذيب مات سيد بلال تاركا طفلا وزوجة وأهلا مكلومين لا يستطيعون التعبير عن حزنهم! عقب صدور الحكم قال أحد أعضاء هيئة الدفاع عن الشاب؛ إن الحكم صفعة لجهاز أمن الدولة، الذى روع المواطنين وانتهك حرماتهم، وهو إدانة لنظام مبارك القمعى، مؤكدا أن الحكم بمثابة البراءة للشهيد سيد بلال وزملائه، الذين عذبوا بأبشع الطرق لحملهم على الاعتراف فى جريمة لم يرتكبوها من الأساس، وأضاف أن الحكم أيضًا يكشف كيف كانت تدار مصر ووزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة من تلفيق قضايا للأبرياء والشرفاء لإيجاد مخرج لفشلهم. وطالب المحامى بضرورة أن تنفذ الداخلية أحكام القضاء وتحترمه وتلقى القبض على الضباط الهاربين، وتنفذ القانون. ولا ريب أن الحكم يطفئ كثيرًا من نيران الحزن والغضب على ما جرى لسيد بلال، ولكنه يطرح قضية هذا الجهاز اللعين الذى مازال قائمًا ويمارس نشاطه بهمة غريبة فى جمع المعلومات عن الناشطين الإسلاميين والوطنيين وغيرهم، والمشاركة فى حملة مرشح النظام الفاسد فى أثناء انتخابات الإعادة وما قبلها، بالإضافة إلى تحريك عملائه فى الصحافة والإعلام وتزويدهم بالتقارير المضللة للتشهير بالحركة الإسلامية والمنتمين للثورة، فضلا عن دعم الأحزاب الورقية وخاصة اليسارية والطائفية لعرقلة التوافق الوطنى والاستقرار السياسى.. أى أنه لم يتخل عن أسلوبه القديم (مع تغيير اسمه) باستثناء عمليات الاعتقال واقتحام البيوت، وهو ما يفرض مراجعة موقفه، والبت فى مصيره بطريقة فعالة تحفظ كرامة الوطن والمواطن. لقد قيل إن الرئيس سوف «يفتح» الملفات الغامضة لجهاز الأمن الوطنى(أمن الدولة) لإعادة الهيكلة؛ بعد استعراض التغييرات التى طرأت على الجهاز، وأبرز القضايا التى يتصدى لها حاليا، ومدى فاعليته فى توفير المعلومات فى القضايا المتعلقة بالأمن الداخلى. جهاز أمن الدولة فى الدول التى تحترم كرامة أبنائها لا يعتقل، ولا يعذب ولا يقتحم البيوت ولا ينتهك الحرمات فى جوف الليل ولا فى عز النهار، ولا يقتل تحت التعذيب، ولا يتدخل فى تعيين خفير أو وزير، ولا يمارس سلطة الغطرسة والعجرفة والعنجهية بوصفه دولة فوق الدولة، ولا يعد نفسه وجودا يَجُبّ غيره من الموجودات، ولا يقدم قضايا مفبركة ولا معلومات مضللة، ولا ينحاز لفريق من المجتمع على حساب فريق آخر، ولا يحارب دين الأمة، وتلك جريمة من أكبر الجرائم وأفحشها على مدى التاريخ، وجريمته مع سيد بلال - رحمه الله تعالى- نموذج قائم لا يزول! جهاز أمن الدولة الحالى يعبر عن هذه الفلسفة الوحشية بامتياز، والجرائم التى اقترفها فى حق مئات الألوف على مدى ستين عامًا لم يبت فيها حتى الآن باستثناءات محدودة أو نادرة، وهو ما يوجب أن يكون الجهاز المأمول لأمن الدولة جهازا آخر غير هذا الجهاز اللعين المتوحش، وله فلسفة أخرى غير فلسفته الدموية الهمجية، مما يقتضى تحويل كل أفراده إلى أجهزة أخرى لا علاقة لها بالناس، وإنشاء جهاز يتكون من أفراد غير ملوثين بالدم والوحشية والغطرسة والعجرفة والعنجهية والعنصرية، مع وضع نظام لتطهيره أولا بأول بحيث ينحى كل من تشتم فيه أو منه رائحة الخروج على منهج التعامل الإنسانى مع الجمهور أو حتى مع زملائه، ونقله من الجهاز فورًا، ثم تقليل أعداده ونقل تبعيتهم إلى وزارة العدل أو مجلس القضاء الأعلى، ليكونوا محكومين بالقانون والدستور.. أما أفراد الجهاز القديم فيجب فرز أفراده جميعًا، لمحاكمة من اشتركوا ولو بالصمت فى جرائم انتهاك الكرامة الإنسانية والتعذيب والقتل ونهب بيوت المعتقلين، أما من لم يرتكبوا جرائم، فيتم الإبقاء عليهم فى أجهزة أخرى بالداخلية، مع تعويض من يريد إنهاء خدمته، لأن من تربى على فلسفة العنصرية والعدوان لا يصلح أن يكون أمينًا على خدمة الوطن. إن جهاز المخابرات العامة هو الذى يكشف فى العادة قضايا التجسس أو التخريب أو تهديد الأمن القومى على المستويين الداخلى والخارجى، ويذكر أن جهاز أمن الدولة على مدى ستين عامًا لم يقم بشىء ذى بال فى هذا السياق، بل إن كثيرا مما قدمه للقضاء كان المتهمون يحصلون على البراءة فى نهاية الأمر، مما يعنى أنها قضايا ملفقة وغير قائمة على أساس حقيقى.