توجد حالة من القصور الفظيع تضرب بجذورها في صلب الحياة الحزبية بحيث يبدو أنها تمنع حدوث أي تغيير. ويبدو ذلك واضحا في نتائج الجولة الأولي من الانتخابات التي جرت يوم الأربعاء الماضي وتجري انتخابات الاعادة لها بعد غد الثلاثاء. ففي حين فاز26 مرشحا للحزب الوطني، و5 من المستقلين أغلبهم من جماعة الاخوان المحظورة، فإنه لم يفز أي مرشح لأي حزب من أحزاب المعارضة، الوفد والتجمع والناصري والكرامة إلي آخر أحزاب الجبهة الوطنية للتغيير بل إن من تبقي من87 مرشحا لهذه الأحزاب لخوض جولة الاعادة هم7 مرشحين فقط، مقابل97 للوطني، و42 للتيار الاسلامي، و120 من المستقلين أغلبهم منشقون علي الوطني ليتنافسوا علي133 مقعدا. (1) تبين هذه الأرقام، حالة الضعف المزرية التي بلغتها أحزاب المعارضة. وبصراحة شديدة، فإنه لاأمل لكي تصبح هذه الأحزاب أحزابا قوية ذات يوم. إنها تعجز عن استقطاب أصوات الناخبين، وهذا يعني أنها تعجز عن الوصول إلي الناس في بيوتهم. والحزب السياسي اذا عجز عن جذب اهتمام المواطن العادي، فإنه يصبح من المناسب جدا إعلان وفاته. ولن يفيد لتبرير هذا الأداءالحزبي المهترئ القول بوجود تزوير، أو ضغوط حكومية، أو تحيز الخ، فأولا، تبين كل تقارير عمليات المراقبة الخارجية والداخلية لجولة الانتخابات السابقة أنه لم تكن هناك مخالفات جسيمة تجعل المنتصر مهزوما أو العكس، بل إن ابرز الاتهامات في هذا الشأن تتعلق بمرشحي التيار الاسلامي، وثانيا، ان ذات الضغوط والمضايقات، التي تتعرض لها أحزاب المعارضة تنطبق علي أنصار جماعة الأخوان المحظورة، وعلي الرغم من ذلك فليس هناك مجال للمقارنة بين أداء الاثنين، بل إنه في حين يتعرض بعض قيادات التيار الاسلامي للاحتجاز والاعتقال، فان شيئا من هذا لايحدث أبدا لأي من أنصار احزاب المعارضة. المسألة إذن، أن هناك فارقا واضحا في الجدية والالتزام، ففي حين تحرص جماعة الإخوان مثلا علي مخاطبة الناخب في بيته، وحارته وقريته، فإن الأحزاب المعارضة تكتفي بالخطاب من القاهرة والمدن الكبري عبر الصحف والتليفزيون. وقد يتحدث البعض عن التزوير والمخالفات، وعلي الرغم من أنه لاتوجد انتخابات في العالم تخلو من شكل من أشكال المخالفات، فإن أخشي مانخشاه هو أن تصبح دعاوي التزوير والمخالفات في مصر وسيلة تستر بها هذه الأحزاب ضعفها، حتي لاتواجه الحقيقة المؤسفة التي تقول بوجوب أن تتحلي بالشجاعة وتعلن أنها قد ماتت فعلا. (2) والمدهش في القصة أن الضعف الذي ينطبق علي أحزاب المعارضة، ينطبق أيضا علي الحزب الوطني.إذ يكفي أن نلاحظ أن هذا الحزب ينال رضا الحكومة وكل الأجهزة الحكومية ويحظي بمجاملات كثيرة علي كل المستويات، وعلي الرغم من هذا، فقد عجز عن الفوز في الجولة الأولي من المرحلة الأولي إلا ب26 مقعدا، صحيح أنه ليس من المناسب الحكم عليه إلا بعد انتهاء المرحلة الأولي كلها بعد غد الثلاثاء أو حتي بعد أن تنتهي الانتخابات بالكامل، إلا أنه من الصحيح أيضا أن الحزب، وكما هو واضح قد عجز أيضا عن استقطاب الناخبين بنفس قدر أحزاب المعارضة. فمن بين164 مرشحا للحزب لم يفز إلا26 مرشحا فقط في الجولة الأولي ويخوص من رجاله في الاعادة97 فقط، وخرج31 من مرشحيه من الانتخابات. ثم إن نظرة إلي نسبة الاقبال علي التصويت تبين الموقف علي حقيقته، فهذه النسبة لم تتعد24.9%.، فكيف يمكن تفسير أن مرشحي الحزب في مختلف الدوائر عجزوا عن تحريك وإثارة اهتمام المواطنين الذين يحتكون بهم بشكل مباشر في حياتهم اليومية من سكان القري والحارات. الاجابة ببساطة، هي أن الناخب والمواطن المصري، لايصدق أن هؤلاء المرشحين يمثلونه بصدق، فهو يراهم في تحركاتهم، ويرصد أساليب حياتهم، وأوجه انفاقهم، ويصل إلي نتيجة مؤداها، أن هؤلاء بشر من طينة أخري، وأنه سواء ذهب إلي لجنة الاقتراع أولم يذهب، فإنهم باقون، هم أو من هم علي شاكلتهم. وهذا هو أخطر مافي القصة كلها. (3) فإذا كانت أحزاب المعارضة ضعيفة، عاجزة عن إقناع المواطن بأنها تقدم له بديلا قويا يمكن أن يعينه علي تغيير الظروف المحيطة به، وإذا كان الحزب الوطني بمرشحيه يعاني نفس العجز، فإن هذا يبعث رسالة تقول إن الناخب أوالمواطن العادي لايري أن هناك أمامه أي امكانية أو أمل في التغيير من خلال صندوق الانتخابات، كما أن مستوي اقباله علي جماعة الإخوان، لايكشف عن أنه يري فيها هذه القدرة علي أحداث التغيير المطلوب، الخطورة في هذا الأمر، أن هذا لايترك أمام الناس بدائل للتغيير إلا من خلال التحركات العشوائية للجموع الغاضبة. فاذا عجزت الأحزاب، سواء الحزب الوطني أو أحزاب المعارضة، عن أن تقدم بديلا للناس من أجل التغيير، وإذا كانت الرسالة هي أن الوضع القائم مستمر شاءالناس أم أبوا، فإنه لايبقي أمامهم للتغيير إلا الانفجار العشوائي، وهذا هو مكمن الخطر الشديد. ---------------------------------------------------------- الاهرام