إيه الآلام اللى شايلها فى قلب إحساسك؟.. لما الجبان حاول يتاجر بحلمك وحلمهم ناسك.. وكتير كتير يشترى بترابه إحساسك.. وانت اللى كنت صريع للكوسة والمحاسيب.. وياما كنت بتدفن فى حبها ألمك.. وياما كنت تخبى قلقك ووسواسك! ما الذى جعلك تقطع المسافة الطويلة بين القاهرة والقليوبية حيث تعيش يا محمد، الطريق مقطوع وأنت تسعى للوصول إلى ميدان التحرير لتشارك فى الحدث الذى اشتعل ليكتب تاريخا جديدا لمصر. لم تكن تشغل بالك بالسياسة، لكنك بعد أن حصل على بكالوريوس العلوم كنت ممن فشلوا فى الحصول على فرصة عمل بسبب "الوساطة"، فرغم تفوقك العلمى، والكيميائى وحصولك على الماجستير والاستعداد للدكتوراه إلا أن الحزن خيّم على قلبك حين حرموك من التعيين بعد 5 سنوات من العمل الجاد فى العيادة الطبية بمجلس الشعب بسبب تعيين آخرين ليست لديهم مثل كفاءتك وعلمك. فلاش باك.. عمرك الآن 25 عاما.. وها هو يوم زفافك وأمنيات كثيرة بحياة وارفة ترفرف عليها السعادة والهناء.. وها هى الأيام تمر يشبه بعضها البعض ثم رزقك الله ب"رغد" لتغير بعض الملل الرابض فى الحياة فلا وظيفة ثابتة ولا اطمئنان على المستقبل.. الفساد والظلم على أيدى النظام الفاسد وزبانيته.. ألهذا السبب ظللت بعيدا لم تشارك يوم الثلاثاء 25 يناير ولا جمعة الغضب، لماذا لم تكن تنوى النزول إلى الشارع، هل كنت تشعر أن كل شىء غير مجدٍ وغير مفيد؟ هل تخاف على وليدتك وزوجتك؟ إذن ما الذى حدث وأشعل الحماس فيك؟ ماذا سمعت وماذا رأيت.. بل ما الذى جعلك تفزع لتلتحم بإخوتك من ثوار الميدان؟ يا إلهى!! هل فزعت حينما سمعت خطاب المخلوع العاطفى الذى حاول أن يستدر به عطف الشعب؟ هل أثار حفيظتك حينما قال إنه بطل الحرب والسلام ودغدغ مشاعر البسطاء بكلمات الضعف والعجز! هل هذا ما جعلك تفزع وتبكى وتصرخ بعلو صوتك، لتبدل من بعدها ملابسك وتنزل.. تنزل لتقول لا.. لا لمن باعوا دمانا وأحلامنا ومنعوا الفائقين من نيل ما يستحقون من الكرامة والتكريم.. لا لمن قتلوا فينا الحلم والحب والألم؟ هل اندفعت دماؤك الطاهرة باتجاه رأسك لتتفجر بداخلك ثورة عارمة؟ ثورة بحجم غضب كل الذين يصمدون فى ميدان التحرير بحجم الأيام التى لم تنضم لهم فيها، بحجم شعورك باليأس وعدم حصولك على حقك. ها أنت تقرر النزول.. فتضع قبلة على وجنتى ابنتك الرضيعة وزوجتك وتضع أخرى على يد والدتك، طالبا منها الرضا والدعاء.. هل كنت تعرف أنك لن تراهن ثانية بعد هذا اللقاء الحميم والمؤثر حين قلت لهن: لو أراد لى الله الشهادة لنلتها ولو على سريرى. ها أنت تهتف مع رفاقك.. ارحل.. وتهتف.. الشعب يريد إسقاط النظام.. وتهتف.. علِّ وعلِّ وعلّ الصوت.. اللى هيهتف مش هيموت!! الميدان يفتح لك أحضانه وتزغرد لك القلوب المطمئنة وبمجرد وصولك إلى مقر وزارة الداخلية للاعتصام أمامها، رصاصة غاشمة تخترق رأسك الشامخ.. نقلوك فى الحال إلى مستشفى أحمد ماهر بالسيدة زينب، لكنك لفظت أنفاسك الأخيرة قبل وصولك المستشفى وتسقط بعدها شهيدا صانعا بدمائك الغالية مستقبلا سعيدا وارفا لطفلتك "رغد" وكل أطفال الغالية.. مصر.