كشفت وثائق سرية بريطانية، أن إدارة المملكة المتحدة سعت للحفاظ وجود الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى قصر الرئاسة كنائب للرئيس الراحل أنور السادات. وبررت الوثائق، التى نشرتها شبكة "بى بى سى"، بمقتضى قانون حرية المعلومات، موقف البريطانيين من الرئيس الأسبق، بأن ذلك كان "أملا في مساعدتهم على إبرام صفقات سلاح"، حيث رأوا أن الرئيس السابق عندما تولى الرئاسة أنه "كان مستقيما ولم يكن قابلا للإفساد في المنصب"، وأنه "تولى الرئاسة على مضض". وحذرت السفارة البريطانية فى القاهرة، خلال آخر زيارة لمبارك، كنائب للرئيس، إلى لندن في شهر سبتمبر 1980، من تبعات إبداء اهتمام لافت للأنظار بالزيارة حرصا، كما كان واضحا، على مصلحة ومكانة مبارك، مطالبة سائل الإعلام البريطانية من "المبالغة" في الاهتمام به كي لا يوغر صدر السادات عليه. وقالت السفارة، في برقية "سرية وشخصية"، إلى إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية إن "أحد أسباب محاولتنا إثارة ضجيج بشأن مبارك، نائب الرئيس، عندما يزور بريطانيا الشهر المقبل هو، كما تعلمون، أنه الخليفة الأكثر احتمالا للرئيس السادات في حالة حدوث أي شيء للأخير". ونبهت إلى ضرورة لفت انتباه المتحدثين الإعلاميين البريطانيين "كي لا يتحدثوا لوسائل الإعلام بحماس عن زيارة مبارك المرتقبة". وقالت البرقية التي أرسلها السفير سير مايكل وير "سوف أترك لكم تقدير الخطر (الذي ينطوي عليه مثل هذا الاهتمام). غير أن الرئيس (السادات) قد يفهم الأمور خطأ بشكل كبير لو حدث هذا الشيء ( الضجيج) وإن كان بريئا". وخلصت إلى أن "قوة موقع مبارك تكمن حتى الآن في قدرته على مساندة الرئيس في كل المناسبات من دون أن يبدو بأي حال أنه تهديد، ولو شعر الرئيس بأنه (مبارك) يكتسب قاعدة قوة مستقلة، فربما يقرر تحجيمه". وجاءت توصية السفير البريطاني رغم إصرار نظيره المصري في لندن حسن أبو سعدة (وهو فريق سابق في الجيش المصري) على أن يُستقبل مبارك استقبالا رفيع المستوى. واجتمع أبو سعدة مع مسؤولين في وزارة الخارجية بعثوا لاحقا ببرقية إلى رئاسة الوزراء تقول: "السفير حريص على جعل الزيارة مهيبة. وأكد أن مبارك يتوقع أرفع معاملة"، لكن إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وجدت صعوبة في الاستجابة لطلب السفير. وقالت في برقية سرية "نحن نخشى أنه ربما يرفع السفير توقعات مبارك بقدر أعلى من الممكن". وبحكم تاريخه العسكري، كان مبارك حريصا، عندما كان نائبا للرئيس، على زيارة معرض فارانبره البريطاني لصناعات الطيران الحربي ذي الشهرة العالمية، وقد زار المعرض في عامي 1974 و1976، وفي الزيارة الثانية "كان متسترا (أي لم تكن الزيارة رسمية ولم يعلم بها أحد من البريطانيين)"، كما قال السفير البريطاني في برقية إلى الخارجية. واقترح وير، بإصرار، توجيه دعوة رسمية لمبارك كضيف على الحكومة البريطانية لزيارة المعرض في شهر سبتمبر 1980. وقال ، ناصحا حكومته في برقية سرية، إنه "من المثالي أن آمل أنه سيكون من الممكن توجيه الدعوة لمبارك للقيام بزيارة رسمية لبريطانيا في فترة إقامة معرض فارانبره الجوي سواء من جانب رئيسة الوزراء أو وزير الدفاع مع ترتيب لقاءات مع وزير الخارجية ورئيسة الوزراء ووزير الدفاع"، مبررًا إصراره بالقول "على المدى الأبعد، يزداد موقعه- مبارك- كخلف محتمل للرئيس السادات قوة باستمرار". وحذر السفير من تجاهل نصيحته خدمة لمصلحة بريطانيا. وقال: "قد يبدو هذا تدليلا مبالغا فيه ( لمبارك). غير أنني أجزم بأن الأمر ليس كذلك. وبالتعبيرات المصرية ، مبارك يميل كثيرا إلى بريطانيا". مشتريات السلاح أما لماذا حرص السفير على ضرورة حضور مبارك المعرض العسكري الشهير هذه المرة بشكل رسمي، فتجيب البرقية: "رغم أنه ليس معنيا مباشرة بسياسة مشتريات سلاح الجو المصري، فإن له تأثيرا هائلا على السلاح الجوي المصري ويحتفظ بصلات بزملائه السابقين في الخدمة (الذين مازالوا في أماكنهم)". ونبهت البرقية إلى احتمال أن يخطف الفرنسيون اهتمام مبارك ويستحوذون عليه. فقالت منبهة متخذي القرار في لندن إلى إنه "يزور معرض باريس الجوي بانتظام". وتؤكد برقية أخرى أن علاقة مبارك بالجيش المصري باعتباره قائدا سابقا للقوات الجوية في حرب أكتوبر 1973 كانت سببا رئيسيا في الاهتمام بمبارك النائب. وفي هذه الوثيقة طُرحت أسباب دعوة الحكومة البريطانية مبارك رسميا ليكون ضيفا عليها خلال زيارته لبريطانيا بهدف حضور معرض فارانبره. وتقول البرقية التي كتبتها وزارة الخارجية "غرض الزيارة مزدوج: الأول تمكين مبارك، وهو قائد سابق للسلاح الجوي المصري، من زيارة معرض فارانبره الجوي، والثاني تهيئة فرصة لنا للتقرب من أكثر المصريين نفوذا بعد الرئيس السادات، فيشاع بقوة أن السيد مبارك سيكون خليفة الرئيس السادات ومن المهم أنه يجب علينا أن نظهر له كل اهتمام". ولم يكن يقصد البريطانيون، كما توحي الوثائق، أنه يمكن إقناع مبارك بالقيام بدور في إبرام صفقات سلاح مقابل استفادة مالية.