أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد بدر بالسويس    وزير التعليم العالي يؤكد أهمية توظيف الاختراعات في تعزيز الاقتصاد القومي    رئيس جهاز الشروق يُعلن الانتهاء من رصف المرحلة الأولى للمحور الشرقي للمدينة    ترامب يسخر من هاريس: الرئيس الصيني سيعاملها كطفلة إذا فازت بالانتخابات الأمريكية    موعد مباراة الخلود ضد النصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    جهاد جريشة: إلغاء هدف الزمالك أمام الأهلي قرار صحيح.. ولاعب الأحمر يستحق الطرد    خلال 24 ساعة.. ضبط 11 طنًا دقيق مدعم داخل مخابز سياحية    مصرع شاب صدمه قطار أثناء عبوره شريط السكة الحديد في بنها    اليوم.. ندوة محمود حميدة بمهرجان الجونة عقب تكريمه بحفل الافتتاح    «غادرت دون أن أودعها».. راغب علامة ينعى شقيقته برسالة مؤثرة: «صديقتي وابنتي وأمي»    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد بدر بمحافظة السويس    واعظ بالأزهر: الإخلاص أمر مهم وذو تأثير كبير على الإنسان والمجتمع    تعاون بين «المجلس الصحي» و«العامة للاعتماد والرقابة» لتعزيز التطوير الأكاديمي والمهني    ضبط المتهمين باحتجاز شخص وإجباره على توقيع «وصل أمانة»    ميناء دمياط يستقبل 38 سفينة حاويات وبضائع عامة    وزيرة التخطيط والتعاون توقّع مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على تجديد البرنامج القُطري حتى 2025    مصر ملتزمة باستمرار إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة رغم التعنت الإسرائيلي    كيف أكدت كلمة الرئيس أهمية تعزيز الاستثمارات النسبية لدول بريكس    هل تراوغ إسرائيل أم المصالحة اقتربت.. رويترز: نتنياهو يرحب باستعداد مصر للتوصل إلى صفقة للإفراج عن المحتجزين في غزة    خبز ناقص وإنذارت بالغلق.. تفاصيل حملة الفجر على مخابز المنوفية    الدورة ال32 لمهرجان الموسيقى العربية بوابة رسائل ودعم النجوم لفلسطين ولبنان    لعدم تركيب الملصق.. سحب 1419 رخصة قيادة في 24 ساعة    أبوبكر الديب يكتب: مع اقتراب 2025.. هل يهدد الخطر اقتصاد العالم ؟    الجيش الإسرائيلي: مقتل ضابطين و3 جنود بمعارك جنوب لبنان    الإمارات.. سفينة تحمل 2000 طن مساعدات إغاثية تصل مرفأ بيروت    إعادة محاكمة متهم بأحداث عنف الزيتون| غدا    حبس المتهم بإشعال النيران بمخزن والده لطرده من المنزل في الشرقية    مسؤول سابق: علاقات الاتحاد الأوروبي بإسرائيل تخضع للتدقيق في المستقبل    قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات واسعة شرق القدس المحتلة    وزير الإسكان: 4 نوفمبر.. بدء تسليم قطع أراضي الإسكان المتوسط بالمنيا الجديدة    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية التحضيرات الجارية للمنتدى الحضري العالمي    وفاة والدة الفنان أحمد عصام.. موعد ومكان الجنازة    محافظ أسيوط يشهد انطلاق مؤتمر اليوم الواحد الأدبي تحديات الأدب في عصر الرقمنة    وصول أبطال كأس السوبر المصري إلى القاهرة عبر مصر للطيران    وزير الصحة اللبنانية: وثقنا الاعتداءات الإسرائيلية على العاملين في المجال الصحي    كيفية غسل الميت للرجال والنساء.. اعرف الطريقة الشرعية    «منها 13 جديدًا أو إحلالًا».. الأوقاف تفتتح 23 مسجدًا    رئيس جامعة القاهرة يستعرض تقرير القافلة التنموية الشاملة بكفر طهرمس    هيئة الدواء: ضخ 47 مليون عبوة دواء من المضادات الحيوية وعلاج الضغط بالصيدليات    بحضور شيخ الأزهر .. بروتوكول تعاون بين «الرعاية الصحية» وبيت الزكاة والصدقات لعلاج المرضى غير القادرين    ميدو: شيكابالا قائد بمعنى الكلمة..ولم يسعى لأخذ اللقطة    تشكيل أهلي جدة المتوقع لمواجهة الأخدود.. توني يقود الهجوم    «الإفتاء» توضح عدد ركعات سنن الجمعة وحكم الصلاة دون أدائها (فيديو)    الآلاف يحتفلون بالليلة الختامية لمولد إبراهيم الدسوقي| فيديو    في أسواق دمياط.. البوري الكبير يصل ل170 جنيها والبطارخ البلدي تسجل 800 جنيه للكيلو    أمطار رعدية وسيول.. الأرصاد السعودية تطلق تحذيرا عاجلا من طقس اليوم    محافظ أسيوط يكرم الفائزين بالمسابقات العلمية الدولية ويطلب تنظيم مسابقة لأوائل الطلاب    بعثة الأهلي تصل إلى القاهرة بعد التتويج بالسوبر المصري    إدارة نوادي وفنادق القوات المسلحة تفتتح نادى النيل بعد انتهاء أعمال تطويره    قوات الدفاع الشعبي والعسكري بالغربية تنظم عدداً من الأنشطة والفعاليات    حمادة هلال ينعى والدة أحمد عصام    سوليفان: واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران    طريقة عمل الكيكة السريعة، لفطار مميز وبأقل التكاليف    محمد صلاح: الزمالك قدم مباراة قوية رغم الظروف.. وجوميز أخطأ في التشكيل منذ البداية    كولر أم محمد رمضان ؟.. رضا عبد العال يكشف سر فوز الأهلي بالسوبر المصري    ارقصوا على قبري.. سعاد صالح توجه رسالة نارية لفنان شهير    وصلة طرب.. مي فارق تتألق بأغانى أم كلثوم فى ختام مهرجان الموسيقى العربية.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقامة اللغوية
نشر في المصريون يوم 18 - 12 - 2017

حدَّثنا أبو الوليد عن بعض أغاريبِه وأعاجيبِه في بلاد العرب، فكان حديثُه في غايَة العجَب، فكان ممَّا حَكاه مِن أخبار أولئك البشر، مِن غريب الخبر، مما تُستجلى به العِبَر، قال أطال الله بقاءَه وصرَف عنه أعداءه:
يا ابن أخي، قد هفَتْ نفسي إلى التَّطوافِ في البلاد لاستجلاء أخبار العباد، كما كان يَفعل أجدادُنا الأكابِر؛ إذ كانوا يتوارَثون الرحلة كابرًا عن كابر، فأعددتُ لذلك الأَمتعة، متشوقًا للرِّحلة المُمتعَة، وشحَذتُ لذلك همَّتي، وتوكَّلتُ على الله في رحلتي، ويمَّمتُ وجهي شطر أرض العرب، وفيها مِن العِبَر الكفاية لمن طلَب؛ فهي أرضُ الأجداد، ومنزل الأَشاوِس الأنجاد.
ونزلتُ في أرض الحضَر، بين نَسلِ ربيعةَ ومُضَر، فإذا أنا بقوم ألسنتُهم عجيبة، وكلماتُهم غريبة، يَرطنون رطانَة العجَم، كأنما قد أصابَهم البَكَم، فسألتُ: مَن القوم؟ وأين نَسلُ العرب اليوم؟ فتضاحَكوا وتغامَزوا، وتهامسوا وتهامزوا، فعجبتُ ممَّا يَضحكون، ومن أي شيء يسخرون؟ لقد سألتهُم بلسان عربي، غير مُتفاصِح ولا عيِّي، وبينما أُقلِّب بصري فيهم كالحالم، إذا أنا برجل مِن وَرائي قائم، فقال أهلًا ومرحى، بأهل العربية الفُصحى، ثم سار بي على طول الطريق، وانتشَلَني من بين أيديهم كانتِشال الغريق.
وأخَذ يقصُّ عليَّ نبأ أولئك المُستهزِئين، الضاحِكين الشامتين، فإذا هم عربٌ قد تبدَّلت هُويتهم، وانتكسَت فطرتُهم، وقد رسخَتْ فيهم العُجمة رسوخًا، وتبدَّلت ألسنتُهم إليها فصاروا مُسوخًا، وإذا هم فُصَحاء في لغة العجَم، بُلَداء في لغتهم الأُم، لا يستطيعون إقرارها ولا يَعرفون أسرارها.
فوقفتُ في أرضِ العُروبةِ شاردًا = أبكي بُناة المجد من قحطانِ
أهلَ الفصاحةِ والبَيان جميعَهم = الحافظين رسالةَ التِّبيانِ
وأخذتُ أجولُ في شوارِعِهم وأسواقِهم؛ لعلي أطَّلع على فصاحة ألسنتِهم، فما راعني شيء كما راعني استِشراءُ العُجمة فيهم، بين عامَّتِهم ومُتعلِّميهم؛ فأسماء محالهم ومتاجرهم أسماء مبدَّلة، وألقابُهم أعجميَّة غير مُبجَّلَة؛ فالسوق صار «الهايبر» والأخت صارت «سستر»، والأب «فذر» والأم «مذر»، وصار العم والخال «أونكل»، هل هذا بربِّك شيءٌ يُعقَل؟
ما بالُ الناسِ قد تنكَّروا للغتِهم، وهي رمزُ عزِّهم وفَخارِهم، هل نأتِ اللغةُ يومًا عن تحمُّل الأعباء حتى يَستبدلوا بها لغةَ الأعداء؟ وهل جنَتْ في حقِّهم جِناية حتى تُرمى بالسوء والزِّراية؟ وحتى يَشبَّ على بُغضِها الصغير، ويَتنكَّر لأنوارها الكبير، ويتفنَّن في السخرية منها السفهاء، ويَنأى عن الدِّفاع عنها البُلغاء؟ ويُرمى أهلوها والمُستمسِكون بها بالزور والبُهتان، ويَصير البُكمُ الجُهَّال سادة الأوطان؟
أَبني العروبة أَبشِروا بقَطيعة = تُرديكُمُ لمَجاهِلِ الأَزمانِ
فارقتُمُ لغةَ الكِتابِ، ونِلتُمُ = منها منالَ الجاهلِ الحَيرانِ
وَطَفقتُمُ تتسوَّلون كلامَكُم = بمَوائدِ الجُهَّال والبُكمانِ
ودَلفتُ إلى معاهد العلوم لأُجالسَ أصحابَ الفهوم، القائمين على ميراث الأنبياء، الحُفَّاظ له والأمناء، فإذا هي خَلوٌ من العلوم إلا النُّتَف مِن كلِّ علمٍ مُقتطَف، والطلابُ بين شاردٍ بفِكره مُنصرِف، وآخرَ عن سبيل العلم منعُطِف، وإذا الأفهام مُتعثِّرة، والألقاب مُتغيِّرة، وقد صار المُعلِّم والمُعلِّمة المستر والمس، ونزلَت مكانتُهم إلى دَرَكٍ بخْس، وهم ساكتون وبالدُّون راضُون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فجمعتُ الأساتذة أو أكثرهم، أعظُهُم وأُذكِّرهم، فما وجدتُ فيهم بليغًا، ولا مَن يَستطيع بلسان عربيٍّ تبليغًا؛ فأفصحُهم مُتفاصِح، وجهلُه جهلٌ فاضِح، إلا مَن رحم ربي وعصَم، وبلسانِ أجداده اعتَصَم، وهم قلَّة في وسط حُطام، كالنُّور في رَحم الظَّلام. فأخذتُ أتبسَّم لهم وأرفُقُ بهم، وأرمقُهم بلطائف اللواحِظ وأنا أتلو عليهم المَواعظ، فكان مما قلتُ لهم:
يا معشرَ الأساتذة والمُصلحين الجهابذة، قد ولاكمُ الله أمانَة العلوم، وجعَلكم مفاتيح لمَغاليق الفُهوم، فأنتم أمانُ الخائف الشريد، وقِبلة العارف المُستزيد، ومَقصد الطلاب، والمَناهل العِذاب، والوِردُ المَعين والضِّياء المستبين، فاشكروا الله على ما أولاكم، واتقوا الله فيما ولاكم.
يا معشرَ المُعلِّمين، تعلَّموا لغة أجدادكم، فهي رمز أمجادكم، وعُنوان فَخارِكم. وما عزَّ قومٌ إلا بعزِّ لسانهم وما ذلُّوا إلا بافتِتانهم، فلا تبغوا بلغتِكم البَدائل، ولا تَحيدوا عن نهج الأوائل، فقد كانوا سادة الفَصاحة والبَيان، وملوك الإيضاح والتبيان.
يا معشرَ المُعلِّمين، ونسل العرب الأكرمين، أحبُّوا لسانكم، وعلموه أبناءكم، وافخروا بلغتكم في كل حين، وتحدَّثوا بها وانشروها في ربوع العالمين، فالخير كل الخير في محبَّتها، والرشاد والهُدى في رفع مناراتها وقُبَّتها …
يا نَسْلَ يَعرُبَ إن طلبتُم مجدَكم = ومَفاخرَ الأيَّامِ والأَوطانِ
فلتحفَظُوا عني وصاةَ نزيلِكُم = لا مجدَ في قومٍ بلا تِبيانِ
فلسانُكم خيرُ اللُّغات جميعِها = يَكفيه ما يحوي من القرآنِ
فتعلَّموا هذا اللسانَ وأَفصحِوا = فالمجدُ في الفصحى عظيمُ الشَّانِ
ثم قام عني أبو الوليد قاطعًا عذب كلامه، كاتمًا مُرَّ أوجاعِه وآلامِه …


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.