بعد مرور أكثر من 17 شهرًا على ثورة يناير يسود الشارع المصرى الآن حالات من الترقب والقلق والتخوف على مستقبل البلاد، وأصبح الكل فى انتظار إعلان النتائج الرسمية للمرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وجاء ذلك نتيجة لتضارب الأقوال فى المؤشرات الأولية للنتائج من كلتا الحملتين للدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق، ففى فجر يوم الاثنين الموافق 18/6/2011، حيث طالعتنا حملة الدكتور محمد مرسى فى مؤتمر صحفى، يعلن فيه فوزَه فى الانتخابات الرئاسية بفارق أكثر من مليون صوت على المرشح المنافس الفريق أحمد شفيق. ويوم الأربعاء الماضى، ومن خلال مؤتمر صحفى لحركة "قضاة من أجل مصر" بنقابة الصحفيين، أعلنوا فيه بشكل غير رسمى فوز الدكتور محمد مرسى على منافسه الفريق أحمد شفيق بفارق حوالى 900 ألف صوت، حيث حصل الدكتور مرسى على عدد 13244964 صوتًا بنسبة 51.5%، فى حين منافسه الفريق شفيق على 12334485 صوتًا بنسبة 48.5%، وفى يوم الخميس الموافق 21/6 أعلن الفريق شفيق فى مؤتمر صحفى أنه واثق من أنه سيكون الفائز الشرعى استنادًا لعمليات الرصد التى قامت بها حملته الانتخابية، مشيرًا إلى أنه ينتظر قرار اللجنة العليا المشرفة على انتخابات الرئاسة صاحبة القول الفصل فى هذا الأمر. كل ذلك حدث وسط صمت كامل من لجنة انتخابات الرئاسة التى قالت إنها تعكف على النظر فى الطعون المقدمة فى صحة العملية الانتخابية فى أكثر من 400 لجنة انتخابية وبات الشعب المصرى فى حيرة من أمره، فمَن يصدق الآن حملة الدكتور مرسى أم حملة الفريق شفيق وإعلام الفلول أم حركة "قضاة من أجل مصر"؟! ويرى بعض المحللين السياسيين أن المجلس العسكرى هو مَن فعل هذا؛ لأنه يحاول الضغط على لجنة انتخابات الرئاسة لتزوير الانتخابات، وإعلان فوز الفريق أحمد شفيق، ومنهم مَن رأى أن هذه اللجنة اعتمدت بالفعل على عمليات المراوغة والتسويف من بداية الانتخابات وظهر هذا جليًّا فى استعادة اللجنة للفريق شفيق مرة أخرى إلى حلبة السباق، وذلك بعد أن تم استبعاده من هذا السباق بحكم قضائى. ونظرًا لتشكيك بعض السياسيين فى صحة هذه النتائج، حيث وصفها البعض أيضًا بأنها غير منطقية، فكيف يستحوذ التيار الإسلامى على أكثر من 73% من الأصوات فى الانتخابات البرلمانية؟، ثم تهبط هذه النسبة مرة واحدة إلى قرابة 51% لصالح مرشح فلول النظام السابق، وهذا ما نستعرضه فى التحقيق التالى: * الدكتور عادل عفيفى: إعلام الفلول استطاع أن يحدث انقسامًا واضحًا بين كل القوى والتيارات السياسية فى مصر فى قراءة للكتل التصويتية التى أعطت أصواتها الدكتور محمد مرسى، يقول اللواء الدكتور عادل عفيفى: مؤسس ورئيس حزب الأصالة، إنه من المنطقى أن يحصل الدكتور محمد مرسى على هذا العدد من الأصوات؛ لأن التيار الإسلامى المتمثل فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور والأصالة وأنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وكل المنتمين للتيار السلفى والجماعة الإسلامية، بالإضافة إلى أكثر من 75% من أصوات المصريين فى الخارج، مع عدد كبير من كل التيارات والأحزاب السياسية التى تخشى من عودة إنتاج النظام السابق مرة أخرى، كل هؤلاء أعطوا أصواتًا حقيقية لمرشح الثورة الدكتور محمد مرسى. وأضاف الدكتور عفيفى أن ائتلاف "قضاة من أجل مصر" أعلن النتيجة شبه الرسمية من واقع محاضر الفرز الأصلية، بأن الدكتور محمد مرسى تقدَّم على منافسه الفريق شفيق بأكثر من 900000 ألف صوت، فكيف لنا أن نصدق غير ذلك؟! ووجه رئيس حزب الأصالة رسالة إلى الرأى العام المصرى يقول فيها: يجب ألا ننسى أن هذا التيار الإسلامى الذى قدّر عدد أصواته بأكثر من 17 مليون فى الانتخابات النيابية الماضية، هو نفسه مَن أعطى أصواته للدكتور مرسى، إلا أن وسائل إعلام الفلول استطاعت فى هذه الفترة أن تُحدث انقسامًا واضحًا بين كل القوى والتيارات السياسية فى مصر، مما أدى هذا إلى تقليص الفارق بين مرشح الثورة ومرشح الفلول. * الدكتور محمد حبيب: انقسام النخبة عاد بنا إلى الحنين إلى الماضى بسبب زيادة عدد المرشحين للرئاسة
واتفق معه الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، أن هناك العديد من الأسباب التى أدت إلى تراجع شعبية التيار الإسلامى فى مصر، مما أدى ذلك بدوره إلى تقليص الفارق بين مرشح الثورة الدكتور محمد مرسى ومرشح الفلول الفريق أحمد شفيق إلى حوالى 900000 صوت فقط، فى حين أننا كنا نتوقع أن يكون الفارق بين مرسى وشفيق بالملايين وليس الآلاف. وأشار الدكتور حبيب إلى بعض الأسباب التى أدت إلى الوصول لهذا المشهد غير المنطقى بعد ثورة 25 يناير العظيمة، وكان على رأسها وسائل إعلام الفلول التى استطاعت بالفعل أن تهاجم جماعات التيار الإسلامى بطريقة منظمة، وأظهرت للمصريين أن الإسلاميين أخفقوا فى أدائهم فى البرلمان، كما أظهرتهم بأنهم يريدون السيطرة والاستحواذ على مقاليد السلطة من برلمان وحكومة ودستور ورئاسة.. إلخ، كما أنها استطاعت أن تعيد إنتاج سياسات نظام مبارك وأعوانه فى عمل الفزاعة بين الناس وبين التيارات الإسلامية، مع اختلاق مقولة "الدولة الدينية"، فى حين أن الإسلام لا يعرف شيئًا اسمه الدولة الدينية. وأضاف أن انقسام النخبة عاد بنا للحنين إلى الماضى؛ وذلك بسبب زيادة عدد المرشحين للرئاسة فى الجولة الأولى، والذى وصل إلى 13 مرشحًا، ثم وصل الأمر فى النهاية إلى اثنين فقط، مما أدى إلى تكاسل عدد كبير من الكتل التصويتية التى كانت مصاحبة للمرشحين فى الجولة الأولى عن الإدلاء بأصواتهم فى الجولة الأخيرة، وصاحَبَ هذا نشاط مكثف من قِبَل فلول الحزب الوطنى، حتى استطاعوا بالفعل الحصول على ضِعف عدد الأصوات التى حصلوا عليها فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، وأكد أن هذا جاء نتيجة الحيرة التى انتابت الكثير فى عملية الاختيار بين السيئ والأسوأ، كما يقول البعض. * الدكتور عبد الله الأشعل: كشوف الناخبين كان فيها سر "شويبس" لحصول الفريق أحمد شفيق على 12 مليون صوت يقول الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية السابق والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، إن كشوف الناخبين كان فيها سر "شويبس" لحصول الفريق أحمد شفيق على 12 مليون صوت فى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. وأشار الدكتور الأشعل إلى أن الفريق أحمد شفيق لم يحصل فى الجولة الأولى إلا على 5.5 مليون صوت فقط، فى حين أن التيار الإسلامى التى كان ممثلاً فى الدكتور مرسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد سليم العوا، كانوا قد حصلوا على ضعف هذا العدد فى الجولة الأولى من الانتخابات، فكيف لنا أن نصدق أن الفريق شفيق حصل على هذا العدد الكبير من الأصوات؟! وأضاف مساعد وزير الخارجية السابق أنه بعد استفتاء مارس 2011 تمت إضافة أكثر من 5 ملايين من الأصوات غير الحقيقية فى كشوف الناخبين، فكان منها وقتها حوالى مليون صوت للشباب الذى قارَبَ على عمر 18 سنة، وكان هذا العدد يضاف بشكل آلى إلى كشوف التصويت، كما أن هناك حوالى 4 ملايين صوت آخرين لأسماء مزورة ووهمية، بالإضافة إلى أسماء ناس متوفين؛ ولهذا رفضت لجنة انتخابات الرئاسة تسليم الكشوف للدكتور محمد مرسى، نظرًا لما بها من تزوير وعوار، هذا بالإضافة إلى أصوات المسيحيين والصوفيين وكل مَن كان لهم مصلحة فى ظل النظام السابق، بالإضافة أيضًا إلى مَن قاموا بالبناء على الأراضى الزراعية وأصحاب التاكسى الأبيض! وأوضح الدكتور عبد الله الاشعل أن مصر ما زالت محتلة بالفعل لأمريكا و"إسرائيل"، كما كانت فى عصر المخلوع مبارك، وأن اللاعب الأساسى فى هذا الدور هو المجلس العسكرى. كما اتهم الدكتور عبد الله لجنة انتخابات الرئاسة بأنها متواطئة مع المجلس العسكرى فى محاولة إنجاح الفريق شفيق فى هذه الانتخابات. مستخدمة فى ذلك أساليب المراوغة فى كشوف الناخبين، كذلك محاولة التسويف فى عملية إظهار نتائج المرحلة الثانية بحجة النظر فى الطعون المقدمة من كلا المرشحيْن، وأن هذه العملية سوف تأخذ وقتًا! * الدكتور حسن نافعة: أجهزة الدولة بالكامل كانت معبَّأة لصالح الفريق شفيق وبعلم المجلس العسكرى يقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الساحة السياسية المصرية فى الفترة الأخيرة شهدت عودة قوية لفلول الحزب الوطنى منذ بداية الانتخابات الرئاسية، وكان ذلك، للأسف، برعاية المجلس العسكرى، حتى لو أعلن أنه يقف على مسافة واحدة بين الدكتور مرسى والفريق شفيق. وأضاف الدكتور نافعة أن أجهزة الدولة بالكامل كانت معبأة لصالح الفريق شفيق، بإلاضافة إلى كل مَن كانوا ينتمون إلى الحزب الوطنى القديم، وشبكة مصالحه وكل مَن يخافون من صعود التيار الإسلامى إلى السلطة. وأشار إلى هناك الكثير من فئات الشعب المصرى التى تعطلت مصالحها أو توقفت أعمالها بسبب فقدان الأمن وضعف الحالة الاقتصادية، وكل هذا خلق عند الناس حالة من الشعور بالحنين إلى الماضى ومن ثم أعطوا أصواتهم للفريق شفيق. * الدكتور جمال زهران: المؤشرات الأولية للانتخابات تُظهر أن الدولة القديمة المتمثلة فى الحزب الوطنى مازالت متغلغلة فى نسيج المجتمع المصرى حتى الآن يقول الدكتور جمال زهران، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن أصول الدولة القديمة المتمثلة فى الحزب الوطنى مازالت موجودة؛ لأن لها جذورًا عميقة فى متأصلة فى كل شبر فى أرض مصر حتى داخل البيوت المصرية، كما أنها مازالت متغلغلة فى كل قطاعات الدولة، كما أنه يصعب استئصالها بين عشية وضُحاها. وأضاف الدكتور زهران أن هذه الانتخابات شاهد عيان على ذلك، فكيف لمرشح الفلول الفريق أحمد شفيق أن يحصل على هذا العدد من الأصوات إلا عن طريق ألاعيب الحزب الوطنى القديمة فى المراوغة والتزوير؟! سواء كان عن طريق وسائل الإعلام التى تعمل وفقًا لمصالحهم، بما فيها وسائل الإعلام الرسمية للدولة، أو الزج بأسماء الموتى أو العسكريين والمجندين فى الحربية أو الداخلية فى كشوف الناخبين. كما أن هناك الكثير من رجال أعمال مبارك، الذين يستخدمون الكتلة التصويتية فى المصانع أو الشركات التى يمتلكونها، لترجيح كِفة مرشح الفلول. وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن المجلس العسكرى لن يسلم السلطة للفائز فى الانتخابات، سواء أكان الدكتور مرسى أو الفريق شفيق، والدليل على ذلك أنه وعد الشعب المصرى بأنه سوف يسلم السلطة بعد 6 أشهر، على أن يتم فيها انتخابات برلمانية ودستور وانتخابات رئاسية، وبعد أكثر من 17 شهرًا لا برلماناً وجدنا، ولا دستوراً وضعنا، كما أن هناك انتخابات قرار الطعن فى شرعيتها مازال قائمًا حتى الآن.