سيساهم الأتباع والمناصرون بشكل محورى فى صناعة الفارق الهائل بين عهد رئيس جمهورية سابق كمبارك وعهد رئيس حالى كمحمد مرسى. ماذا بعد الرئاسة؟؟ هذا هو السؤال الذى ينبغى أن نطرحه لنصنع الإجابة سريعاً واقعاً يمشى على الأرض، فوصول الدكتور مرسى إلى القصر الجمهورى ليس مجرد غاية وليس نهاية المطاف، وسنكون فى منتهى الإجحاف إذا وضعناه هناك ثم تحولنا إلى متفرجين أو مجموعات من الهتيفة "بالروح بالدم نفديك يا مرسى"، وننتظر منه وحده صناعة المعجزات فى وقت قياسى. سيلمس الشعب أن هناك تغييراً وفارقاً جوهرياً واضحاً بين مرسى وحسنى إذا تحولنا نحن إلى طاقة إبداع وعمل وخلية نحل فى جميع المجالات والميادين. الأمر بالطبع ليس سهلاً على النفس البشرية فهناك استشراف للأضواء وتطلع للسلطة وإبهار المناصب، لكن ما نحن بصدده يحتاج نفوساً متجردة مخلصة تعمل فى الخفاء لا تنتظر مقابلاً من مال أو شهرة أو منصب؛ فمحمد مرسى ورفاقه اليوم يحتاجون مناصرين ومعاونين بطول الوطن وعرضه فى كل بيت ومكان عمل وشارع، جنوداً مجهولين لا جاه لهم ولا اسماً لامعاً ولا حضوراً إعلامياً. جهود الرئيس مرسى لن تكفى بالمرة ولن تحرك ساكناً ولن يلمس الشعب تغييراً يُذكر إذا لم نحدث نحن فى أدائنا وعملنا ثورة تجعلنا مختلفين بالكلية عن أنصار ومعاونى مبارك، والله تعالى يقول فى سورة الأعراف "أولمْ يهدِ للذين يَِرِثون الأرضَ مِنْ بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم". نحتاج فى الفترة القادمة إلى جيوش متجردة تتحرك بهمة وحيوية فى الصناعة والزراعة والإعلام والتجارة والمحليات والعمل الاجتماعى والإنسانى.. إلخ، فالإسلام فى انتشاره وظهوره لم يعتمد فى الأساس على الرؤوس إنما على القواعد التى لا يعرف لها الناس اسماً ولا يذكرون لها منقبة ممن كانوا يؤدون عملهم على الوجه الأكمل فى أى مجال وُضعوا فيه "أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان فى الحراسة كان فى الحراسة وإن كان فى الساقة كان فى الساقة". والبشرية لم تعرف تغييراً جوهرياً وتحولاً جذرياً مع الإسلام عن غيره من النُظم ولم تشهد زحفاً جماعياً وانتقالاً لأمة بأسرها إلى اعتناق دين جديد وفكرة جديدة إلا بجهود وإخلاص أعداد لا حصر لها، من أمثال ذلك الجندى المسلم الذى عثر أثناء عمله على تاج أحد الأكاسرة المرصع بالألماس والذى لا يُقدر بثمن، فجاء به إلى قائده، فدُهش القائد لصنيع الجندى وسأله عن اسمه! فضحك الجندى قائلاً: وماذا تصنع باسمى فالله يعرفه! ليس من الضرورى أن يعرف أحد اسمه ما دام الله يعرفه. فزنا بالرئاسة والحمد لله عن جدارة فلم يكن ليفوز بها إلا ابن من أبناء الثورة، ولم يكن الشعب ليسمح أن تبقى مقاليد السلطة بأيدى أبناء مبارك، يديرون شئوننا على أسس وقواعد نظام مبارك، وهذا إنجاز كبير ولا شك، لكنه مجرد بداية لا ينبغى أن نتوقف عندها كثيراً، ولا يظن أحد منا أنها شىء للوجاهة ولرفاهية إحدى الطبقات ولهيمنة مجموعة من المجموعات المنعزلة عن هموم وقضايا الشارع وللنظر بها إلى العالمين من أعلى.. فإذاً أين الفارق، وما الذى تغير؟ هذا هو أول الفشل وهذا هو ما أضاع ممالك الإسلام عندما ورث المتشوقون للسلطة والشهرة جهود المتجردين المخلصين. أمر أخير متعلق بفريق عمل الدكتور مرسى الملتصق به والمنتظر أن يكون من مختلف الانتماءات والأطياف، فليضع كل واحد منهم نفسه فى المجال والعمل الذى يجيده ويبدع فيه، وقد وُزع على الطلبة فى الجامعة يوماً استبيان فيه سؤال عن الوظيفة التى يستطيع من خلالها خدمة وطنه؟ فكانت إجابة الطالب النابه "جمال حمدان" هى: وزير الشئون البلدية والقروية (وكانت قائمة فى ذلك الوقت) ولما سُئل عن السبب، قال أحد أكثر رموز الفكر المصرى تجرداً وإخلاصاً: "إن مَن يتولى هذه الوزارة يملك فى يده نهضة مصر أو تخلفها، فالشئون البلدية هى البنية الأساسية التى بدونها لا تستقيم حياة الناس فى المدن، وأن الشئون القروية هى العمود الفقرى الذى بدونه ينقصم ظهر مصر". عاشت مصر وقصم الله ظهور أعدائها، وجعلنا خير أعوان لخير رئيس.