العطش المحتمل شبح يهدد المصريين في الأيام المقبلة خبراء مياه: السنوات المقبلة ستكون قاسية على المصريين تحلية مياه البحار.. ومعالجة الصرف الصحي.. أبرز الحلول بعد استبعاد الخيار العسكري خبراء بالمركز القومي للبحوث الزراعية: المحاصيل تروى بمياه الصرف الصحي وتسبب أمراضًا سرطانية "سنوات عجاف" في انتظار المصريين خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد أن أعلنت إثيوبيا تخزين المياه في سد "النهضة" بداية من شهر يوليو الجاري، وبالفعل بدأت الحكومة الإثيوبية بتخزين 14 مليار متر مكعب من مياه النيل في السد، غير ملتفتة لمصلحة غيرها من دول المصب من بينها "مصر" التي تعاني نقصًا حادًّا وشديدًا في المياه؛ بسبب بناء سد النهضة، فمنذ الوهلة الأولى التي قررت فيها إثيوبيا بناء السد في إبريل 2011، بعد استغلالها للوضع السياسي المتأزم في مصر بعد ثورة 25يناير، وبدأت مصر تعاني. وفي ظل الواقع المرير الذي يعيش فيه المصريون؛ بسبب نقص المياه؛ نتيجة سد "النهضة"، خرج عدد من الشخصيات العامة والتابعة للحكومة بتصريحات مثيرة للجدل؛ حيث قالت الدكتورة إيمان غنيم، خبير الاستشعار عن بعد، إنها أجرت 77 بحثًا في أمريكا، جميعها عن مصر والدول العربية، واكتشفت وجود نهر مائي كبير يقع في المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا، وصفته ب"دلتا عظيمة مغطاة بالرمال" تستخدمه ليبيا ومصر لم تلتفت إليه رغم حقها فيه، مضيفة أن مصر من الممكن أن تستغله في حل أزمتها من المياه. وذكرت "غنيم" أن حجمه يعادل ضعفي مساحة ولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة، حيث تقيم، وأفادت أن هذا النهر الجوفي العملاق ينبع من السودان وتشاد ويمتد نحو شمال إفريقيا ثم ليبيا، التي تضم ثلاثة أرباعه، فيما تحظى مصر بالربع المتبقي. كما خرج وزير الري، الدكتور محمد عبدالعاطي، وقال إنه من الممكن أن نقوم بتحليه مياه البحار ومعالجتها بحيث تكون صالحة للشرب وللاستخدام العام، بالإضافة إلى تصريحات بعض العلماء الذين أكدوا أنه من الممكن الاعتماد على مياه الخزان الجوفي المتواجد في صحراء النوبة بأسوان. وخرج الرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء جولته في محافظة أسوان منذ فترة، وأكد أن مصر من الممكن أن تستخدم مياه الصرف الصحي، لافتًا إلى أن مياه الصرف صالحة للشرب من خلال المعالجة الثلاثية، وأنه قرار استراتيجي على مستوى الدولة للتعامل مع المياه كثروة وفق معايير دولية. وفي هذا السياق، يقول الدكتور ضياء القوصي, خبير المياه الدولي, ومستشار وزير الموارد المائية السابق, إنه منذ أن قررت الحكومة الإثيوبية بناء سد النهضة، وبدأت البلاد تواجه أزمة طاحنة في نقص المياه، خاصة أن بناء السد كان له تأثير سلبي على حصة مصر من المياه. وأكد "القوصي" في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن انخفاض منسوب المياه المقبل من إثيوبيا أمر طبيعي؛ بسبب سد النهضة, وكل ذلك سيتسبب في انقطاع دائم للمياه والكهرباء في مختلف محافظات الجمهورية خلال الأيام والشهور المقبلة، خاصة أن إثيوبيا بدأت في تخزين المياه للسد. وأشار خبير المياه إلى أنه إذا استطاعت مصر أن تقوم بتحلية مياه البحار بالتقنيات العالمية، ستستطيع أن تكفي حاجتها من المياه بدلًا من الاعتماد على مياه نهر النيل، إلا أنه أكد أن كل هذه الأمور تحتاج إلى مبالغ مالية طائلة وتحتاج إلى تقنيات وأجهزة عالية الجودة. وأضاف "القوصي" أن هناك سنوات عجاف في انتظار مصر؛ بسبب نقص المياه، وأن السنوات المقبلة ستكون من أكثر السنوات فقرًا؛ بسبب نقص المياه الذي سيترتب عليه الكثير من العواقب منها الكهرباء والتصحر وجفاف الأراضي الزراعية. وأوضح: "العجز الحالي في المياه في مصر يبلغ 20 مليارًا و3 أمتار مكعب، والتكلفة المحلية لتحلية مياه البحار مكلفة للغاية؛ فالمتر الواحد تتم تحليته ب20 جنيهًا"، لافتًا إلى أن الاستهلاك العام للمياه في مصر سواء كان في المنازل أو المرافق الأخرى يصل إلى 8 أمتار مكعبة، وهذا يعادل نحو 12% من الاستهلاك، أما الزراعة تستهلك مياه بنسبة 85%. وتابع: "أكثر المحاصيل الزراعية التي تستهلك مياه الأرز وقصب السكر والقمح، وإذا تم استخدام المياه المحلاة لن يكون الأمر مجديًا؛ لأن في تلك الحالة أسعار تلك المحاصيل سترتفع للغاية؛ بسبب ارتفاع أسعار المياه المحلاة". وواصل: "في جميع الحالات استخدام المياه المحلاة تصلح فقط للزراعة ولا تصلح للاستخدام الشخصي والشرب، وفيما يخص النهر المائي المتواجد في الحدود المصرية الليبية، قال "القوصي" إن الحديث عنه غير منطقي لأنه يحتاج لتكلفة كبيرة للغاية من أجل البحث والتنقيب عنه وفي حالة التأكد من وجوده، الأمر سوف يحتاج إلى مبالغ طائلة للحفر بجانب الآلات والمعدات المخصصة لذلك". أما عن الخزان الجوفي المتواجد في صحراء أسوان، فأكد القوصي أن هذا الخزان قديم للغاية من أيام الفراعنة وكانوا يستخدمونه في الزراعة، وتابع: "الآن يتم استخدامه في زراعة مئات الأفدنة الزراعية، ونتيجة لذلك مياه الخزان قلت للغاية لدرجة أن الحكومة استخدمت ماكينات رفع المياه منه، لذلك كيف لنا استخدام مياه هذا الخزان؟!". واختتم "القوصي" حديثه قائلًا: "الحل الوحيد أمام مصر خلال الأيام القادمة هو اللجوء لعدة أمور من أهمها تحلية مياه البحر على الرغم من تكلفتها العالية, وتخزين مياه الأمطار خاصة في المناطق الساحلية التي تغرقها دون أن نستفيد منها, والحل الأخير هو تطهير مياه الصرف الصحي". وبدوره؛ قال فوزي دياب, الخبير المائي بالأمم المتحدة, وأستاذ الموارد المائية في بحوث الصحراء, إن منسوب المياه القادم من إثيوبيا لمصر انخفض لدرجة الفقدان, بسبب بناء سد النهضة وتخزين المياه به، خاصة أن إثيوبيا أيضًا تواجه نقصًا حادًا في مياه الأمطار التي قل هطولها في عدد من المناطق. وأكد "دياب" في تصريحات خاصة ل"المصريون", أن الأيام المقبلة ستبدأ الأزمة الحقيقية للمياه في مصر، مشيرًا إلى أن كل ما كنا نمر به الأيام السابقة لم يكن شيئًا بالنسبة للذي سنشهده في الشهور المقبلة، خاصة بعد أن قامت إثيوبيا بتخزين المياه في السد، وبالتالي الحكومة الإثيوبية لن تعطي مصر أي حصة زيادة من حصتها بل بالعكس ستخفض حصتها من المياه، وهو ما سيتسبب في كارثة. وأشار الخبير المائي إلى أن حصة الفرد المصري من المياه يوميًا تصل إلى 600 متر مكعب، علمًا بأن نسبة العجز المائي كبيرة للغاية، مضيفًا: "المشروعات القومية التي تقوم الدولة ببنائها مثل مشروع المليون ونصف المليون فدان لابد أن توقفها بشكل فوري؛ لأنها تستهلك كمية كبيرة من المياه تقدر ب"6 مليارات متر مكعب". ومن جهته، قال طارق محمود، الدكتور في الإرشاد البيئي بالمركز القومي للبحوث الزراعية، إن أغلب المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى مياه كثيرة لتنمو ويتم ريها الآن بمياه الصرف الصحي؛ بسبب أزمة المياه التي تواجهها مصر حاليًا، بحسب قوله. وأكد "محمود" في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن من أكثر المحاصيل التي يتم ريها بمياه الصرف الصحي، قصب السكر والأرز؛ لأنهما يحتاجان إلى كم هائل من المياه. واتفق معه محمد جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي، الذي قال إن أغلب المحاصيل الزراعية في مصر تروى بمياه الصرف الصحي، وهذا له أثر خطير وسلبي على صحة الإنسان، بحسب ما أدلى به، مؤكدًا أن مصر لا يوجد بها منظمة صحية من أجل سلامة الغذاء؛ لأن المنظمة لا تعمل جيدًا ولا تراقب الزراعة والمحاصيل، خاصة أن هناك جزءًا كبيرًا من المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها المصريون بشكل أساسي تروى بمياه الصرف الصحي؛ بسبب النقص الحاد في المياه الذي تعاني منه مصر. وأضاف: "جميع المحاصيل التي تروى بالصرف الصحي لها تأثير سلبي على المواطن وتسبب أمراضًا خطيرة منها السرطان والكبد وتلوث الدماء، بالإضافة إلى الإصابة بالكثير من الأمراض الجلدية ونقص المناعة". ولفت "صيام" إلى أن كثيرًا من الكوارث التي تحدث في مصر؛ بسبب سد النهضة، خاصة أن إثيوبيا بدأت في عملية التخزين، ومصر في هذه الحالة لن يكون لها إلا خياران؛ الأول أن تضرب السد وهذا أمر مستحيل، والثاني هو اللجوء للتحكيم الدولي أو اللجوء للبدائل الأخرى مثل تحلية مياه البحار والري بالتقطير وجميعها أمور مكلفة للغاية. وفي المقابل، قال النائب محمد حلمي، عضو لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي، إن مصر لديها حلول كثيرة لحل أزمة المياه منها تحلية مياه الصرف الصحي واستخدام مياه الآبار ومعالجة مياه الصرف الصحي، مع استخدام الري بالتقطير؛ لأنه من الممكن أن يوفر الكثير من المياه، مع منع زراعة الأرز واستيراده من الخارج. وأكد "حلمي" في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن إثيوبيا وضعت مصر أمام أزمة حقيقية ونحن لا نستطيع أن نحاربها، لذلك الحلول التي ذكرتها هي المنقذة لمصر، على الرغم من أن أغلبها مكلف ماليًا، لكن لابد أن نحاول الخروج من الأزمة بأي شكل من الأشكال.