يواكب اليوم ذكرى وفاة عبد الوهاب محمد المسيري, مفكر وعالم اجتماع مصري إسلامي, ومؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، أكبر عمل موسوعي عن اليهود واليهودية والصهيونية باللغة العربية. وُلد د.عبد الوهاب المسيري، في مدينة دمنهور في مصر في أكتوبر عام 1938، تخرج في كلية الآداب عام 1959، وحصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويوركبالولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرزي عام 1969. يُعتبر د.عبد الوهاب المسيري من أبرز مناهضي الصهيونية حيث صدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية, ويُعتبر د.عبد الوهاب المسيري أيضًا واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية, ويبدو أن شهرته جاءت بفضل الدعاية والتلميع الإعلامي العربي والعالمي المبالغ فيه من جهة, وشح الدراسات النقدية عن كتاباته من جهة أخرى. عند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 1988)، كما عمل أستاذًا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، والجامعة الإسلامية العالمية (ماليزيا)، وعضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (1970 1975)، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأممالمتحدة في نيويورك (1975 1979). وهو عضو مجلس الأمناء في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية. يبني د.عبد الوهاب المسيري، رؤيته على اقتطاف بعض النماذج الساذجة والسطحية الاختزالية عن حقيقة اليهود المخططين للسيطرة على العالم, ويقدمها للقراء على أنها تمثل هذه الرؤية, ويظهرها بهيئة فكر تآمري اختزالي أو سطحي, ويغفل الحقائق العلمية والتاريخية المركبة عن حقيقة اليهود المتآمرة مع وجود بعض الاستثناءات فيهم, وأهم من كل ذلك إغفال د.عبد الوهاب المسيري، ورود حقيقة اليهود كمفسدين في الأرض في القرآن الكريم بالتفصيل والتركيبية الحقيقية مع إيراد الاستثناءات القليلة بحق قليل من اليهود الشرفاء والطيبين, ولكن د.عبد الوهاب المسيري يريد أن يجعل هؤلاء الاستثناء هم القاعدة ويجعل اليهود المتآمرين هم الاستثناء. وأما مناهضته للصهيونية فأهم مرتكز يقف عليه د.عبد الوهاب المسيري فيها هو الفصل المزعوم بين الصهيونية واليهودية حيث يدافع د.عبد الوهاب المسيري علنًا بكل شراسة عن اليهود واليهودية بينما يهاجم الصهيونية بشدة، مدعيًا أنها فكرة استعمارية غربية لا فكرة يهودية, والنتيجة أنه يدافع ربما بدون قصد عن الصهيونية وإسرائيل؛ لأنهما في الحقيقة ابنتا اليهودية التي يُظهر د.عبد الوهاب المسيري بكل صراحة الدفاع عنها في مؤلفاته, وأما هجومه على ما يسميه "الصهيونية الغربية" فإنه يُجيّر على الغرب وحدهم دون اليهود, وهذا خطأ شنيع لأن الخطر اليهودي العالمي الصهيوني أشد من الخطر الغربي مع اعتبارنا له, وكلامه يؤدي بنا إلى توجيه أنظارنا عن الخطر اليهودي الأكبر إلى الخطر الغربي الأقل منه, وهذا ببساطة من أسرار قوة الخطر اليهودي. كان المسيري لفترة قصيرة في بداية حياته منتميًا إلى الإخوان المسلمين، ثم انتمي إلي اليسار المصري، وتحديدًا للحزب الشيوعي، وقبل وفاته شغل منصب المنسق العام لحركة "كفاية"، التي تأسست في نهاية 2004 للمطالبة بإصلاح ديمقراطي في مصر، ونظمت سلسلة تظاهرات احتجاجًا على إعادة انتخاب الرئيس المصري حسني مبارك لولاية خامسة في 2005، وقد تعرض للاعتقال من قبل السلطات المصرية أكثر من مرة. في يناير 2007 تولى منصب المنسق العام للحركة المصرية؛ من أجل التغيير (كفاية) وهي الحركة المعارضة لحكم الرئيس محمد حسني مبارك وتسعى لإسقاطه من الحكم بالطرق السلمية ومعارضة تولي ابنه جمال مبارك منصب رئيس الجمهورية من بعده. ويقول الروائي المصري بهاء طاهر: إن "المسيري" لم يكن فقط نموذجًا "للمثقف الشامل الذي يجمع بين العلم والعمل.. إنه أكبر منذ ذلك بكثير.. لا نظير له بين المثقفين كما كان (المفكر المصري الراحل) جمال حمدان بلا نظير في الجيل الأسبق". وإلى هذا المعنى يصل أيضًا الكاتب المصري أحمد بهاء الدين شعبان، قائلًا إن "المسيري": "قاتل بضراوة ضد الزيف والاستبداد والفساد والخنوع" واصفًا إياه بالمثقف النموذج. وقال جورج إسحق، المنسق السابق للحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية": إن "المسيري" سعى إلى نقل "مدرسته البحثية إلى قلب حركة كفاية.. بل توظيفها لدعم أنشطة الحركة وقدرتها على التصدي لحكم الفساد والاستبداد". وكان محمد هشام أستاذ الأدب الانجليزي بجامعة حلوان قال في وقت سابق لرويترز: إن المسيري "ترك وصية أدبية منذ 12 عامًا" فيها تكليفات محددة لتلاميذه لإنجاز مجموعة من الكتب قيد الإعداد ومنها أعمال عن الحضارة الغربية إضافة إلى موسوعة (الصهيونية وإسرائيل) التي كان مقررًا أن ينتهي منها قريبًا وتتناول إسرائيل من الداخل بعد أن عالجت موسوعته الأولى الأفكار النظرية التي خرجت منها "الظاهرة الصهيونية". وقبل شهر من وفاة المسيري أعلن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أول يونيو منحه (جائزة القدس) وكان مقررًا أن يتسلمها في الاجتماع القادم للاتحاد بدمشق في نوفمبر القادم. وتوفي "المسيرى" فى صباح يوم الخميس من عام 2008 وكان يبلغ من عمرة السبعين عامًا وكان يعانى من "السرطان" الذي أدى إلى وفاته.