كانت غير كل الليالى، سوداء حالكة، لا ينفع فيها نجم ولا قمر، ولا يبدد وحشتها وقسوة توترها سمر، تراجعت فيها خطوات للوراء فرحة انتظارى بعرس الديمقراطية القادم بعد ساعات، فالليلة كانت ليلة الأربعاء، وستجرى فى الصباح الانتخابات الرئاسية فى يومها الأول، تقلص اهتمامى وتركيزى السياسى والاستنباطى لما سيكون عليه الغد، ليتمحور حول "المصباح" المصلوب فوق مكتب "الولد"، والذى سلب منه الضوء بفعل انقطاع الكهرباء، إنها أيضا ليلة امتحان آخر العام، ونظام التعليم البريطانى "آى جى" لا يعترف بيوم انتخاباتنا الرئاسية ليمنح الأولاد إجازة. حاول "الولد" الهروب من قلقى ومحاولات اتصالى الفاشلة بالطوارئ أو أى مسئول فى إدارة الكهرباء، وقد أغلق المسئولون هواتفهم بعد أن أعيتهم الحجج وتلفيق أسباب انقطاع الكهرباء، وتظاهر "ولدى" بالانشغال بمهاتفة زملائه، وقال ليطمئننى أن "البلاء" عام، وإن الكهرباء مقطوعة أيضا لدى زملائه وليس فى المعادى فقط، بل فى مدينة نصر، مصر الجديدة، العباسية، وغيرها، وإنهم أيضا لا يتمكنون مثله من مراجعة مادة الامتحان، وسألنى فى مقارنة محزنة "لماذا لم تنقطع الكهرباء أبدا فى هولندا" اختصرت إجابتى حتى لا أعمق لديه فروقات مخزية بين بلدنا التى نعشقها وعدنا لأجلها، وبين مهجرنا المؤقت هولندا الذى ولد فيه وإخوته وعاش فيه طفولته وجانبا من صباه، بلد لا ينقطع فيه ماء ولا كهرباء. لملمت كل "كشافات" النور الاحتياطى التى أحتفظ بها لزوم تلك المناسبة، وقمت برصها على مكتبه، فجلس غير قانع "بحجم" الإضاءة لمراجعة المادة تخفيفا لقلقى، دقائق ثم ساعات مرت بطيئة ومتثاقلة وأنا أبسمل وأحوقل وأدعو كل أدعيه التيسير لأن تعود الكهرباء بسرعة وعينى مشدودة على الكشافات التى بدأت "تتملعن" هى الأخرى، وبدأ نورها يخبو بسرعة مريبة بلغ إلى حد الإظلام، بحثت فى كل مكان عن بقايا شموع أعياد الميلاد، فلم أجد وتذكرت أنى مؤخرا استجبت لفتوى أن أعياد الميلاد حرام، فلم أعد أحتفل بها ولم أشتر منذ ذاك الحين شموعا فى بيتى، حين طلبت من حارس العمارة سرعة شراء أى شموع من المحلات القريبة، أخبرنى "بارتياح" أن المحلات أيضًا أغلقت أبوابها تحسبا لأن يكون انقطاع الكهرباء يحمل مخططا للبلطجة أو السطو المسلح. قبل أن يخبو آخر ضوء فى الكشافات "اللعينة" لمحت عينى الولد تبرقان فى الظلام، وقد غطتهما طبقة من الدموع حاول إخفاءها لاعتقاده أن الرجال لا يبكون ولو فى أحلك الأوقات، فمادة امتحان الصباح "بيولوجى"، وهى معقدة وصعبة، وكان عليه مراجعة نقاط هامة فى تلك الساعات، حين رآنى أحملق فى وجهه لاستنطق "دميعات" الغيظ عسى أن يفجر غضبه فيهدأ، باغتنى بالسؤال "ماما هتنتخبى مين بكره" توقفت برهة، ووجدتنى أقول باستخفاف أو فى كوميديا سوداء لأخفف عنه، سأنتخب الرئيس الذى سيأمر بإعادة الكهرباء الآن وفورا، ولا يقطعها أبدا فى ليالى الامتحان. لقد قال "أكسم أبو العلا"، المتحدث باسم وزارة الكهرباء إن قطع الكهرباء كان لأسباب خارجة عن الإرادة، فمحطات الكهرباء الرئيسية تعمل بالغاز الطبيعى، والكمية المعتادة التى تصل لهذه المحطات تم تخفيضها فى هذا اليوم بسبب نقص فى الإمداد من حقول الغاز الطبيعى، ولن أعلق على هذا الكلام الغريب إلا ببضعة أسئلة، لماذا تعمل محطات الكهرباء بالغاز، ولماذا انخفضت كمية الغاز فى هذا اليوم "رغم أننا أوقفنا تصديره لإسرائيل"، وكيف سيتم حل تلك المشكلة مستقبلا حتى لا تتكرر، خاصة مع موسم الصيف واستهلاك الكهرباء بسبب أجهزة التكيف والتبريد، وأيضًا مع موسم امتحانات الثانوية العامة، الذى بات على الأبواب، وهو موسم أتمنى ألا يبكى فيه مزيد من الأولاد "غيظا" فى ليال سوداء.