"أحشفاً وسوء كيلة"، مثل عربى قديم يقال حين تجتمع على شخص خصلتين ذميمتين فى آن واحد. فالحشف هو البلح الخاوى من الداخل وغير الناضج، فيما يعرف باللفظ الدارج بالبلح "الصيص". أما سوء الكيلة فهى التطفيف فى الميزان ونقصانه. ومن ثم فإن اجتماع الحشف مع سوء الكيل فيه مشقة على النفس، واستخفاف بالإنسان الذى يمارس عليه هذا الفعل المشين، وإذا قربنا مصطلح الحشف وسوء الكيلة الذى نقصده لقرائنا الأعزاء، فإننا نعنى به تلك السياسات الرديئة التى تبناها حكامنا الأفذاذ لمعالجة أحوالنا قبل قيام الثورة وبعدها، فالحشف الذى نقصده هو الظلم المستمر وعدم العدالة التى صَدَرت لشعبنا الخوف والجوع والفقر والحرمان، والحشف الذى نقصده يتمثل فى الخضر والفواكه والأطعمة التى تقدم لنا كمصريين، مقابل تلك التى تصدر للخارج، وتخضع لمقاييس ومعايير غير مطبقة بالمرة على المنتجات المعروضة علينا، الحشف هو الفساد الإدارى والمالى والأخلاقى المتمثل فى الرشوة والجباية والمحسوبية وما انتهت إليه من خراب فى الذمم وضياع فى الأمل لدى غالبية الشباب. أما سوء الكيلة فيتمثل فى محاسبة الفقراء والمعوذين بمنتهى الشدة والعنف، مقابل إخلاء سبيل الأغنياء والمحاسيب، وسوء الكيلة يتمثل فى السجون الرديئة التى يلقى فيها العامة والمهمشون مقابل تلك الخمسة نجوم التى يتسلى فيها علية القوم واللصوص الكبار، وكأننا نكافئهم على جرائم السرقة والنهب الذى قاموا به. يا أيها الشعب الكريم، سبق وأن قدم لك مبارك سياسة ربط الحزام وقبلت بها طائعاً، خدمة لوطنك ومشاركة منك فى نهضة بلادك!!، فماذا كان جزاؤك؟ حشفًا وسوء كيلة بالطبع، فقد أجبروك أن تكون خادماً لسياسة الخصخصة التى قادت لها سياسة شد الحزام. وحين طبقت عليك قوانين الخصخصة وارتضيت أن تُباع شركاتك ومؤسساتك التى ظللت تبنيها سنيناً طوالاً، على أمل أن تتحسن الأحوال، لقيت حشفاً وسوء كيلة بالتأكيد، فقد صبت سياسات الرجل وبطانته فى خدمة مجموعة المنتفعين واللصوص الذين سرقوك جهاراً نهاراً. يا أيها الشعب الكريم، رجعت لبيتك قبل أن تستكمل ثورتك وتسقط النظام الذى مارس كل أنواع الظلم والقهر ضدك!! فماذا كانت النتيجة؟ حشفاً وسوء كيلة من كل الجهات، فقد شيطنوا لك المشهد السياسى، وحرقوا مزارعك، ودمروا مصانعك لتقبل بالنتيجة التى ترجعهم لحكم البلاد من جديد، صدروا لك عدم الأمن والاستقرار والبلطجة لا لشىء، إلا لتقبل بالمعادلة المفروضة عليك؛ بأن تحصل على الأمن والاستقرار مقابل السكوت عن المطالبة بحقوقك وحقوق أبنائك، فرضوا عليك الخضوع بالأمس واليوم، لتحمد لهؤلاء الأكابر صنيعهم، بأن وفروا لك الاستقرار والأمن، بل سوقوا لك سيناريو الفوضى وجعلوه هو السيناريو الجاهز فى المستقبل، إذا خرجت مطالباً بتحقيق شعارات ثورتك فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. من يرتضى الحشف يا سادة، ببقاء فعال الشرطة كما كانت، عليه أن يقبل بعودة نفس المشهد الذى خرجنا من أجله وأسقطناه جميعاً فى 25 يناير 2011!!. من يرتضى الحشف بقبول دستور مفصل حسب رغبة الأقلية، عليه أن يقبل بالقوانين التى تخلق مجتمعاً ملغماً ومفككاً!. من يرتضى الحشف بسماع أنباء الصفقات القضائية والأحكام المنتظرة، سيقتنع بأن دولة الظلم والجور تطل برأسها من جديد!. من يرتضى الحشف الإعلامى المعروض، سيقبل برئيس مصنوع، ورأسمالية مستفحلة أكثر من ذى قبل! يا سادة، لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع، يا سادة، إذا ارتضينا الحشف برئيس فلول، فعلينا أن نقبل بسوء الكيل ونرتضى بالظلم والجور الذى سيفرض علينا فى المستقبل، وإذا ارتضينا الحشف بدستور مفصل على مقاس القوى الاقتصادية التى تحكم البلد، فعلينا أن نقبل بما سيفعله ترزية القوانين من إصدار تشريعات لا تراعى إلا مصالحهم، وإذا قبلنا الحشف بقضاء تتدخل فيه السلطة التنفيذية وتتلاعب به، فعلينا ألا ترتفع آمالنا كثيراً حول دولة العدل التى نبغيها. يا معشر الكرام، إذا قبلنا بالحشف فلن ترتفع لنا هامة فى المستقبل.